إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
393 - الحديث الرابع : عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة ، فأصاب الناس جوع فأصابوا إبلا وغنما وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات القوم فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت ، ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير ، فند منها بعير فطلبوه فأعياهم ، وكان في [ ص: 674 ] القوم خيل يسيرة فأهوى رجل منهم بسهم ، فحبسه الله فقال : إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم منها فاصنعوا به هكذا قلت : يا رسول الله ، إنا لاقو العدو غدا ، وليس معنا مدى . أفنذبح بالقصب ؟ قال : ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه ، فكلوه ، ليس السن والظفر ، وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن : فعظم ، وأما الظفر : فمدى الحبشة } .


خديج " والد رافع : بفتح المعجمة وكسر الدال المهملة وبعد آخر الحروف جيم . وفي الحديث : دليل على أن ما توحش من المستأنس : يكون حكمه حكم الوحش ، كما أن ما تأنس من الوحش : يكون حكمه حكم المستأنس .

وهذا القسم ، ومقابلة كل عشرة من الغنم ببعير : قد يحمل على أنه قسمة تعديل بالقيمة وليس من طريق التعديل الشرعي ، كما جاء في البدنة " أنها عن سبعة " ومن الناس من حمله على ذلك . و " ند " بمعنى شرد ، و " الأوابد " جمع آبدة ، وقد تأبدت : أي نفرت وتوحشت من الإنس يقال : أبدت - بفتح الباء المخففة - تأبد - بكسرها وضمها - أيضا ، أبودا وجاء فلان بآبدة ، أي كلمة غريبة ، أو خصلة للنفوس نفرة عنها والكلمة لازمة ، إلا أن تجعل فاعلة ، بمعنى مفعولة . ومعنى الحديث : أن من البهائم ما فيه نفار كنفار الوحش .

وفيه دليل على جواز الذبح بما يحصل به المقصود ، من غير توقف على كونه حديدا ، بعد أن يكون محددا .

وقوله " وذكر اسم الله عليه " دليل على اشتراط التسمية أيضا فإنه علق الإذن بمجموع أمرين والمعلق على شيئين ينتفي بانتفاء أحدهما . وفيه دليل على [ ص: 675 ] منع الذبح بالسن والظفر ، وهو محمول على المتصلين وقد ذكرت العلة فيهما في الحديث ، واستدل به قوم على منع الذبح بالعظم مطلقا لقوله عليه السلام " أما السن : فعظم " علل منع الذبح بالسن بأنه عظم والحكم يعم بعموم علته . .

التالي السابق


الخدمات العلمية