إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
421 - الحديث السادس عشر : وعنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل : للفرس سهمين ، وللرجل سهما } .


" النفل " بتحريك النون ، والفاء معا : يطلق ويراد به : الغنيمة ، وعليه حمل قوله تعالى { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } ، ويطلق على ما ينفله الإمام لسرية ، أو لبعض الغزاة ، خارجا عن السهمان المقسومة ، إما من أصل الغنيمة ، أو من الخمس على الاختلاف بين الناس في ذلك ، ومنه حديث نافع عن ابن عمر في سرية نجد { ، وإن سهمانهم كانت اثني عشر - أو أحد عشر بعيرا - ، ونفلوا بعيرا بعيرا } ومذهب مالك والشافعي : أن للفارس ثلاثة أسهم ، ومذهب أبي حنيفة : أن للفارس سهمين ، وهذا الحديث الذي ذكره المصنف متعرض للتأويل من وجهين :

أحدهما : أن يحمل النفل على المعنى الذي ذكرناه فيكون المعطى زيادة على السهمين خارجا عنها :

والثاني : أن تكون اللام في قوله " للفرس سهمين " اللام التي للتعليل لا اللام التي للملك ، أو الاختصاص ، أي : أعطى الرجل سهمين لأجل فرسه ، أي لأجل كونه ذا فرس ، وللرجل سهما مطلقا ، وقد أجيب عن هذا ببيان المراد في رواية أخرى صريحة ، وهي رواية [ ص: 698 ] أبي معاوية عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم : سهما له ، وسهمين لفرسه } فقوله " أسهم " استدل به على أنه ليس بخارج عن السهمين ، وقوله " ثلاثة أسهم " صريح في العدد المخصوص ، وهذا الحديث الذي ذكرناه من رواية أبي معاوية عن عبيد الله : صحيح الإسناد ، إلا أنه قد اختلف فيه على عبيد الله بن عمر ففي رواية بعضهم عنه " للفرس سهمين وللراجل سهما " ، وقيل : إنه وهم فيه ، أي هذا الراوي ، وهذا الحديث - أعني رواية أبي معاوية - ، وما في معناها : له عاضد من غيره ، ومعارض له لا يساويه في الإسناد . أما العاضد : فرواية المسعودي : حدثني أبو عمرة عن أبيه قال { أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر ، ومعنا فرس فأعطى كل إنسان منا سهما ، وأعطى للفرس سهمين } هذه رواية عبيد الله بن يزيد عن المسعودي عند أبي داود ، وعنده من رواية أمية بن خالد المسعودي عن أبي خلف بن عمرو عن أبي عمرة قال أبو داود : بمعناه ، إلا أنه قال " ثلاثة نفر " زاد " ، وكان للفارس ثلاثة أسهم " وهذا اختلاف في الإسناد ، وأما المعارض فمنه ما روى عبد الله بن عمر ، وهو - أخو عبيد الله الذي قدمنا ذكره - عن نافع عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم يوم خيبر للفارس سهمين ، وللراجل سهما } قال الشافعي : وليس يشك أحد من أهل العلم في تقدمة عبيد الله بن عمر على أخيه في الحفظ ، وقال في القديم : فإنه سمع نافعا يقول " للفرس سهمين وللرجل سهما " فقال " للفرس سهمين وللراجل سهما " قلت : وعبيد الله ، وعبد الله هذان : هما ابنا عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، وما ذكره الشافعي من تقدمة عبيد الله بن عمر على أخيه عند أهل العلم ، فهو كذلك ، ولكن في حديث مجمع بن جارية ما يعضده ، ويوافقه ، وهو حديث رواه أبو داود من حديث محمد بن يعقوب بن مجمع عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري - وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن - قال { شهدت الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر فقال بعض الناس لبعض : ما للناس ؟ قال : أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا مع الناس نوجف ، [ ص: 699 ] فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم واقفا على راحلته عند كراع الغميم فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } فقال رجل : يا رسول الله أفتح هو ؟ قال : نعم ، والذي نفس محمد بيده ، إنه لفتح فقسمت خيبر على أهل الحديبية ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهما ، وكان الجيش ألفا وخمسمائة ، فيهم ثلاثمائة فارس ، فأعطى للفارس سهمين ، وأعطى للراجل سهما } رواه أبو داود عن محمد بن عيسى عن مجمع ، وهذا يوافق رواية عبد الله بن عمر في قسم خيبر ، إلا أن الشافعي قال في مجمع بن يعقوب : إنه شيخ لا يعرف ، قال : فأخذنا في ذلك بحديث عبيد الله ، ولم نر له خبرا مثله يعارضه ، ولا يجوز خبر إلا بخبر مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية