إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
31 - الحديث الرابع : عن عبد الله بن عمر : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال { يا رسول الله ، أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ قال : نعم ، إذا توضأ أحدكم فليرقد } .


وضوء الجنب قبل النوم : مأمور به ، والشافعي حمله على الاستحباب ، وفي مذهب مالك قولان :

أحدهما : الوجوب ، وقد ورد بصيغة الأمر في بعض الأحاديث الصحيحة ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم { توضأ واغسل ذكرك ، ثم نم } لما سأله عمر [ ص: 138 ] إنه تصيبه الجنابة من الليل " وليس في هذا الحديث - الذي ذكره المصنف - متمسك للوجوب ، فإنه وقف إباحة الرقاد على الوضوء ، فإن هذا الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام " فليرقد " ليس للوجوب ، ولا للاستحباب ، فإن النوم من حيث هو نوم لا يتعلق به وجوب ولا استحباب ، فإذا هو للإباحة ، فتتوقف الإباحة ههنا على الوضوء ، وذلك هو المطلوب .

والذين قالوا : إن الأمر ههنا على الوجوب ، اختلفوا في علة هذا الحكم ، فقيل : علته أن يبيت على إحدى الطهارتين ، خشية الموت في المنام ، وقيل : علته أن ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه ، وبنوا على هاتين العلتين : أن الحائض إذا أرادت النوم ، هل تؤمر بالوضوء ؟ فمقتضى التعليل بالمبيت على إحدى الطهارتين : أن تتوضأ الحائض ; لأن المعنى موجود فيها ومقتضى التعليل بحصول النشاط : أن لا تؤمر به الحائض ; ; لأنها لو نشطت لم يمكنها رفع حدثها بالغسل .

وقد نص الشافعي على أنه ليس ذلك على الحائض ، فيحتمل أن يكون راعى هذه العلة ، فنفى الحكم لانتفائها ، ويحتمل أن يكون لم يراعها ، ونفى الحكم ; لأنه رأى أن أمر الجنب به تعبد ، ولا يقاس عليه غيره ، أو رأى علة أخرى غير ما ذكرناه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية