إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
34 - الحديث السابع : عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا جلس بين شعبها الأربع ، ثم جهدها ، فقد وجب الغسل } ، وفي لفظ { وإن لم ينزل } .


" الشعب " جمع شعبة ، وهي الطائفة من الشيء ، والقطعة منه ، واختلفوا في المراد بالشعب الأربع ، فقيل : يداها ورجلاها ، أو رجلاها وفخذاها ، أو فخذاها وأسكتاها أو نواحي الفرج الأربع ، وفسر " الشعب " بالنواحي ، وكأنه تحويم على طلب الحقيقة الموجبة للغسل والأقرب عندي : أن يكون المراد : اليدين والرجلين ، أو الرجلين والفخذين ، ويكون الجماع مكنيا عنه بذلك ، ويكتفى بما ذكر عن التصريح ، وإنما رجحنا هذا ; لأنه أقرب إلى الحقيقة ، إذ هو حقيقة في الجلوس بينهما ، وأما إذا حمل على نواحي الفرج : فلا جلوس بينها حقيقة ، وقد يكتفى بالكناية عن التصريح ، لا سيما في أمثال هذه الأماكن التي يستحيي من التصريح بذكرها ، وأيضا فقد نقل عن بعضهم أنه قال " الجهد " من أسماء النكاح ، ذكر ذلك عن الخطابي ، وعلى هذا فلا يحتاج إلى أن يجعل قوله " جلس بين شعبها الأربع " كناية عن الجماع ، فإنه صرح به بعد ذلك ، [ ص: 145 ] وقوله في الحديث " ثم جهدها " بفتح الجيم والهاء : أي بلغ مشقتها ، يقال منه : جهده ، وأجهده ، أي بلغ مشقته ، وهذا أيضا لا يراد حقيقته ، وإنما المقصود منه : وجوب الغسل بالجماع ، وإن لم ينزل ، وهذه كلها كنايات ، يكتفى بفهم المعنى منها عن التصريح ، وقوله " بين شعبها الأربع " كناية عن المرأة ، وإن لم يجر لها ذكر ، اكتفاء بفهم المعنى من السياق ، كما في قوله عز وجل : { حتى توارت بالحجاب } والحكم عند جمهور الأمة ، على مقتضى هذا الحديث ، في وجوب الغسل بالتقاء الختانين ، من غير إنزال ، وخالف في ذلك داود وبعض أصحابه الظاهرية ، وخالفه بعض الظاهرية ووافق الجماعة .

، ومستند الظاهرية : قوله صلى الله عليه وسلم " إنما الماء من الماء " وقد جاء في الحديث " إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ، ثم نسخ " ذكره الترمذي ،

التالي السابق


الخدمات العلمية