إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
54 - الحديث التاسع : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال { شهد عندي رجال مرضيون - وأرضاهم عندي : عمر - أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب } .

[ ص: 183 ]

55 - الحديث العاشر : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس } .


في الحديث الأول : رد على الروافض فيما يدعونه من المباينة بين أهل البيت وأكابر الصحابة رضي الله عنهم . وقوله { نهى عن الصلاة بعد الصبح } أي بعد صلاة الصبح " وبعد العصر " أي بعد صلاة العصر ، فإن الأوقات المكروهة على قسمين :

منها : ما تتعلق الكراهة فيه بالفعل ، بمعنى أنه إن تأخر الفعل لم تكره الصلاة قبله . وإن تقدم في أول الوقت كرهت . وذلك في صلاة الصبح وصلاة العصر . وعلى هذا يختلف وقت الكراهة في الطول والقصر .

ومنها : ما تتعلق فيه الكراهة بالوقت ، كطلوع الشمس إلى الارتفاع ، ووقت الاستواء . ولا يحسن أن يكون الحكم في هذا الحديث معلقا بالوقت ; لأنه لا بد من أداء صلاة الصبح وصلاة العصر . فتعين أن يكون المراد : بعد صلاة الصبح ، وبعد صلاة العصر . وهذا الحديث معمول به عند فقهاء الأمصار . وعن بعض المتقدمين والظاهرية : فيه خلاف من بعض الوجوه . وصيغة النفي إذا دخلت على الفعل في ألفاظ صاحب الشرع ، فالأولى : حملها على نفي الفعل الشرعي . لا على نفي الفعل الوجودي . فيكون قوله " لا صلاة بعد الصبح " نفيا للصلاة الشرعية ، لا الحسية . وإنما قلنا ذلك ; لأن الظاهر : أن الشارع يطلق ألفاظه على عرفه . وهو الشرعي . وأيضا ، فإنا إذا حملناه على الفعل الحسي - وهو غير منتف - احتجنا إلى [ ص: 184 ] إضمار لتصحيح اللفظ . وهو المسمى بدلالة الاقتضاء . ويبقى النظر في أن اللفظ يكون عاما أو مجملا ، أو ظاهرا في بعض المحامل . أما إذا حملناه على الحقيقة الشرعية لم نحتج إلى إضمار . فكان أولى .

ومن هذا البحث يطلع على كلام الفقهاء في قوله صلى الله عليه وسلم { لا نكاح إلا بولي } فإنك إذا حملته على الحقيقة الشرعية ، لم تحتج إلى إضمار . فإنه يكون نفيا للنكاح الشرعي . وإن حملته على الحقيقة الحسية - وهي غير منتفية عند عدم الولي حسا - احتجت إلى إضمار . فحينئذ يضمر بعضهم " الصحة " وبعضهم " الكمال " وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم { لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل } . وأما حديث أبي سعيد الخدري . وهو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان . و " خدرة " من الأنصار . فالكلام عليه تقدم . وفي هذا الحديث زيادة على الأول . فإنه مد الكراهة إلى ارتفاع الشمس . وليس المراد مطلق الارتفاع عن الأفق ، بل الارتفاع الذي تزول عنده صفرة الشمس ، أو حمرتها . وهو مقدر بقدر رمح أو رمحين . وقوله " لا صلاة " في الحديثين ، عام في كل صلاة . وخصه الشافعي ومالك بالنوافل ، ولم يقولا به في الفرائض الفوائت . وأباحاها في سائر الأوقات .

وأبو حنيفة يقول بالامتناع . وهو أدخل في العموم ، إلا أنه قد يعارض بقوله صلى الله عليه وسلم { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } وكونه جعل ذلك وقتا لها . وفي رواية " لا وقت لها إلا ذلك " إلا أن بين الحديثين عموما وخصوصا من وجه . فحديث النهي عن الصلاة بعد الصبح ، وبعد العصر : خاص في الوقت ، عام في الصلاة . وحديث النوم والنسيان : خاص في الصلاة الفائتة ، عام في الوقت . فكل واحد منهما بالنسبة إلى الآخر عام من وجه ، وخاص من وجه . فليعلم ذلك . قال المصنف رحمه الله : وفي الباب عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة ، وسمرة بن جندب ، وسلمة بن الأكوع ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ ابن عفراء ، وكعب بن مرة ، وأبي أمامة الباهلي ، [ ص: 185 ] وعمرو بن عبسة السلمي ، وعائشة رضي الله عنهم ، والصنابحي . ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم . أما " علي فهو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، أبو الحسن واسم أبيه أبي طالب : عبد مناف . وقيل اسمه : كنيته . وعلي رضي الله عنه ذو الفضائل الجمة التي لا تخفى . قيل : أسلم وهو ابن ثلاث عشرة ، أو اثنتي عشرة ، أو خمس عشرة أو ست عشرة ، أو عشر ، أو ثمان . أقوال . وقتل رضي الله عنه بالكوفة سنة أربعين من الهجرة في رمضان .

وأما عبد الله بن مسعود بن شمخ ، فهو أبو عبد الرحمن ، أحد علماء الصحابة وأكابرهم . مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين . وأما عبد الله بن عمر فهو : أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن مرة العدوي . ورياح في نسبه : بكسر الراء وبعدها ياء آخر الحروف . ورزاح : بفتح الراء المهملة ، بعدها زاي مفتوحة . وتوفي رحمه الله في سنة ثلاث وسبعين .

وأما عبد الله بن عمرو : فهو أبو محمد - وقيل : أبو عبد الرحمن ، وقيل : أبو نصير ، بضم النون وفتح الصاد - عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد - بضم السين وفتح العين - ابن سهم ، السهمي . أحد حفاظ الصحابة للحديث . والمكثرين فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قيل : إنه مات ليالي الحرة ، وكانت الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين . وقيل : مات سنة ثلاث وسبعين وقيل : غيره .

[ ص: 186 ] وأما أبو هريرة : فقد تقدم الكلام عليه .

وأما سمرة : فأبو عبد الرحمن - وقيل : أبو عبد الله ، أو أبو سليمان ، أو أبو سعيد - : سمرة بن جندب - بضم الدال ، وقد يقال بفتحها - ابن هلال . فزاري ، حليف الأنصار . قاله الواقدي . توفي بالبصرة في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين .

وأما سلمة بن الأكوع : فهو سلمة بن عمرو بن الأكوع ، منسوب إلى جده الأكوع سنان بن عبد الله . وسلمة أسلمي ، يكنى أبا مسلم . وقيل : أبا إياس وقيل : أبا عامر . أحد شجعان الصحابة وفضلائهم . مات سنة أربع وسبعين . وهو ابن ثمانين سنة .

وأما زيد بن ثابت : فهو أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد أنصاري نجاري . وقيل : يكنى أبا سعيد . وقيل : أبا عبد الرحمن . يقال : إنه كان حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة : ابن إحدى عشرة سنة . وكان رضي الله عنه من أكابر الصحابة ، متقدما في علم الفرائض . وقيل : مات سنة خمس وأربعين . وقيل : اثنتين . وقيل : ثلاث . وقيل : غير ذلك

وأما معاذ ابن عفراء : فهو معاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد - في قول ابن إسحاق - وقال ابن هشام : هو معاذ بن الحارث ابن عفراء بن الحارث بن سواد بن غنم بن مالك بن النجار . وقال موسى بن عقبة : معاذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث .

وأما كعب بن مرة : فبهزي ، سلمي - فيما قيل - مات بالشام سنة تسع وخمسين وقيل غيره .

وأما أبو أمامة الباهلي : فاسمه صدي بن عجلان ، وصدي - بضم الصاد المهملة ، وفتح الدال ، وتشديد الياء - من المكثرين في الرواية . مات بالشام سنة [ ص: 187 ] إحدى وثمانين . وقيل : سنة ست وثمانين . وهو آخر من مات بالشام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في قول بعضهم

. وأما عمرو بن عبسة : فهو أبو نجيح . ويقال : أبو شعيب عمرو بن عبسة - بفتح العين والباء معا ، والباء تلي العين - ابن عامر بن خالد ، سلمي . لقي النبي صلى الله عليه وسلم قديما في أول الإسلام . وروي عنه أنه قال " لقد رأيتني وأنا ربع الإسلام " ثم لقيه بعد الهجرة

وأما عائشة رضي الله عنها : فقد تقدم الكلام في أمرها .

وأما الصنابحي : فهو عبد الرحمن بن عسيلة ، منسوب إلى قبيلة من اليمن ، كنيته أبو عبد الله - كان مسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده . فلما انتهى إلى الجحفة لقيه الخبر بموته صلى الله عليه وسلم . وكان فاضلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية