إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
57 - الحديث الأول : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة . } .


الكلام عليه من وجوه :

أحدها : استدل به على صحة الفذ ، وأن الجماعة ليست بشرط . ووجه الدليل منه : أن لفظة " أفعل " تقتضي وجود الاشتراك في الأصل مع التفاضل في أحد الجانبين . وذلك يقتضي وجود فضيلة في صلاة الفذ وما لا يصح فلا فضيلة فيه . ولا يقال : إنه قد وردت صيغة " أفعل " من غير اشتراك في الأصل ; لأن هذا إنما يكون عند الإطلاق . وأما التفاضل بزيادة عدد فيقتضي بيانا . ولا بد أن يكون ثمة جزء معدود يزيد عليه أجزاء أخر . كما إذا قلنا : هذا العدد يزيد على ذاك بكذا وكذا من الآحاد . فلا بد من وجود أصل العدد ، وجزء معلوم في الآخر ، ومثل هذا . ولعله أظهر منه : ما جاء في الرواية الأخرى " تزيد على صلاته وحده ، أو تضاعف " فإن ذلك يقتضي ثبوت شيء يزاد عليه ، وعدد يضاعف . نعم يمكن من [ ص: 190 ] قال بأن صلاة الفذ من غير عذر لا تصح - وهو داود على ما نقل عنه - أن يقول : التفاضل يقع بين صلاة المعذور فذا والصلاة في جماعة . وليس يلزم إذا وجدنا محملا صحيحا للحديث أكثر من ذلك . ويجاب عن هذا بأن " الفذ " معرف بالألف واللام . فإذا قلنا بالعموم دل ذلك على فضيلة صلاة الجماعة على صلاة كل فذ فيدخل تحته الفذ المصلي من غير عذر . .

الثاني : قد ورد في هذا الحديث التفضيل " بسبع وعشرين درجة " وفي غيره التفضيل " بخمس وعشرين جزءا " فقيل في طريق الجمع : إن الدرجة أقل من الجزء ، فتكون الخمس والعشرون جزءا سبعا وعشرين درجة . وقيل : بل هي تختلف باختلاف الجماعات ، وأوصاف الصلاة . فما كثرت فضيلته عظم أجره . وقيل : يحتمل أن يختلف باختلاف الصلوات . فما عظم فضله منها عظم أجره . وما نقص عن غيره نقص أجره . ثم قيل بعد ذلك : الزيادة للصبح والعصر . وقيل : للصبح والعشاء . وقيل : يحتمل أن يختلف باختلاف الأماكن كالمسجد مع غيره .

الثالث : قد وقع بحث في أن هذه " الدرجات " هل هي بمعنى الصلوات ؟ فتكون صلاة الجماعة بمثابة خمس وعشرين صلاة ، أو سبع وعشرين ، أو يقال : إن لفظ " الدرجة " و " الجزء " لا يلزم منهما أن يكون بمقدار الصلاة ؟ والأول هو الظاهر ; لأنه ورد مبنيا في بعض الروايات وكذلك لفظة " تضاعف " مشعرة بذلك .

الرابع : استدل به بعضهم على تساوي الجماعات في الفضل وهو ظاهر مذهب مالك . قيل : وجه الاستدلال به : أنه لا مدخل للقياس في الفضل . وتقريره : أن الحديث إذا دل على الفضل بمقدار معين ، مع امتناع القياس ، اقتضى ذلك الاستواء في العدد المخصوص . ولو قرر هذا بأن يقال : دل الحديث على فضيلة صلاة الجماعة بالعدد المعين ، فتدخل تحته كل جماعة ، ومن جملتها : [ ص: 191 ] الجماعة الكبرى والجماعة الصغرى . والتقدير فيهما واحد بمقتضى العموم - كان له وجه . ومذهب الشافعي : زيادة الفضيلة بزيادة الجماعة وفيه حديث مصرح بذلك ذكره أبو داود { صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته وحده . وصلاته مع الرجلين أفضل من صلاته مع الرجل } الحديث . فإن صح من غير علة فهو معتمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية