إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
63 - الحديث الأول : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : { أمر بلال أن يشفع الأذان ، ويوتر الإقامة } .


المختار عند أهل الأصول : أن قوله " أمر " راجع إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم . وكذا " أمرنا " و " نهينا " ; لأن الظاهر : انصرافه إلى من له الأمر والنهي شرعا . ومن يلزم اتباعه ويحتج بقوله ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم . وفي هذا الموضع زيادة على هذا . وهو أن العبادات والتقديرات فيها : لا تؤخذ إلا بتوقيف .

والحديث دليل على الإيتار في لفظ الإقامة . ويخرج عنه التكبير الأول ، فإنه مثنى والتكبير الأخير أيضا . وخالف أبو حنيفة ، وقال : بأن ألفاظ الإقامة كالأذان [ ص: 206 ] مثناة . واختلف مالك والشافعي في موضع واحد . وهو لفظ " قد قامت الصلاة " فقال مالك : يفرد . وظاهر هذا الحديث يدل له . وقال الشافعي يثنى ، للحديث الآخر في صحيح مسلم . . وهو قوله { أمر بلال بأن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ، إلا الإقامة } أي إلا لفظ " قد قامت الصلاة " . ومذهب مالك - مع ما مر من الحديث - قد أيد بعمل أهل المدينة ونقلهم . وفعلهم في هذا قوي ; لأن طريقة النقل والعادة في مثله : تقتضي شيوع العمل . فإنه لو كان تغير لعلم وعمل به .

وقد اختلف أصحاب مالك في أن إجماع أهل المدينة حجة مطلقا في مسائل الاجتهاد . أو يختص ذلك بما طريقه النقل والانتشار ، كالأذان والإقامة والصاع والمد ، والأوقات ، وعدم أخذ الزكاة من الخضراوات ؟ فقال بعض المتأخرين منهم : والصحيح التعميم . وما قاله : غير صحيح عندنا جزما . ولا فرق في مسائل الاجتهاد بينهم وبين غيرهم من العلماء . إذ لم يقم دليل على عصمة بعض الأمة .

نعم ما طريقة النقل إذا علم اتصاله ، وعدم تغيره ، واقتضت العادة مشروعيته من صاحب الشرع ، ولو بالتقرير عليه - فالاستدلال به قوي يرجع إلى أمر عادي ، والله أعلم .

وقد يستدل بهذا الحديث على وجوب الأذان من حيث إنه إذا أمر بالوصف لزم أن يكون الأصل مأمورا به . وظاهر الأمر : الوجوب .

وهذه مسألة اختلف فيها . والمشهور : أن الأذان والإقامة سنتان . وقيل : هما فرضان على الكفاية . وهو قولالإصطخري من أصحاب الشافعي . وقد يكون له متمسك بهذا الحديث كما قلنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية