إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
. 65 - الحديث الثالث : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم } .


في الحديث دليل على جواز اتخاذ مؤذنين في المسجد الواحد . وقد استحبه أصحاب الشافعي . وأما الاقتصار على مؤذن واحد . فغير مكروه . وفرق بين أن يكون الفعل مستحبا ، وبين أن يكون تركه مكروها ، كما تقدم . أما الزيادة على مؤذنين : فليس في الحديث تعرض له . ونقل عن بعض أصحاب الشافعي أنه تكره الزيادة على أربعة . وهو ضعيف .

وفيه دليل على أنه إذا تعدد المؤذن فالمستحب أن يترتبوا واحدا بعد واحد إذا اتسع الوقت لذلك ، كما في أذان بلال وابن أم مكتوم رضي الله عنهما ، فإنهما وقعا مترتبين ; لكن في صلاة يتسع وقت أدائها ، كصلاة الفجر . وأما في صلاة المغرب : فلم ينقل فيها مؤذنان . والفقهاء من أصحاب الشافعي قالوا : يتخيرون بين أن يؤذن كل واحد منهم في زاوية من زوايا المسجد ، وبين أن يجتمعوا ويؤذنوا دفعة واحدة .

وفي الحديث دليل على جواز الأذان للصبح قبل دخول وقتها . ذهب إليه مالك والشافعي . والمنقول عن أبي حنيفة خلافه ; قياسا على سائر الصلوات .

والذين قالوا بجواز الأذان للصبح قبل دخول وقتها اختلفوا في وقته ، وذكر بعض أصحاب الشافعي : أنه يكون في وقت السحر بين الفجر الصادق والكاذب ، قال : ويكره التقديم على ذلك الوقت . وقد يؤخذ من الحديث ما يقرب هذا . وهو [ ص: 210 ] أن قوله صلى الله عليه وسلم " إن بلالا يؤذن بليل " إخبار يتعلق به فائدة للسامعين قطعا . وذلك بأن يكون وقت الأذان مشتبها ، محتملا لأن يكون وقت طلوع الفجر . فبين أن ذلك لا يمنع الأكل والشرب إلا عند طلوع الفجر الصادق وذلك يدل على تقارب وقت أذان بلال من الفجر .

وفي الحديث دليل على جواز أن يكون المؤذن أعمى . فإن ابن أم مكتوم كان أعمى . وفيه دليل على جواز تقليد الأعمى للبصير في الوقت ، أو جواز اجتهاده فيه . فإن ابن أم مكتوم لا بد له من طريق يرجع إليه في طلوع الفجر ، وذلك إما سماع من بصير ، أو اجتهاد وقد جاء في الحديث { وكان لا يؤذن حتى يقال له : أصبحت أصبحت } وهذا يدل على رجوعه إلى البصير ، ولو لم يرد ذلك لم يكن في اللفظ دليل على جواز رجوعه إلى الاجتهاد بعينه ; لأن الدال على أحد الأمرين مبهما لا يدل على واحد منهما معينا .

واسم ابن أم مكتوم فيما قيل عمرو بن قيس ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية