إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
66 - الحديث الرابع : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول } .


الكلام عليه من وجوه :

أحدها : إجابة المؤذن مطلوبة بالاتفاق ، وهذا الحديث دليل على ذلك . ثم اختلف العلماء في كيفية الإجابة ، وظاهر هذا الحديث : أن الإجابة تكون بحكاية لفظ المؤذن في جميع ألفاظ الأذان ، وذهب الشافعي إلى أن سامع المؤذن يبدل الحيعلة بالحولقة - ويقال الحوقلة - لحديث ورد فيها ، وقدمه على الأول لخصوصه وعموم هذا . وذكر فيه من المعنى : أن الأذكار الخارجة عن الحيعلة يحصل ثوابها بذكرها ، فيشترك السامع والمؤذن في ثوابها إذا حكاها السامع ، وأما [ ص: 211 ] الحيعلة : فمقصودها الدعاء ، وذلك يحصل من المؤذن وحده ، ولا يحصل مقصوده من السامع ، فعوض عن الثواب الذي يفوته بالحيعلة الثواب الذي يحصل له بالحوقلة ، ومن العلماء من قال : يحكيه إلى آخر التشهدين فقط .

الثاني : المختار : أن يكون حكاية قول المؤذن في كل لفظة من ألفاظ الأذان عقيب قوله . وعلى هذا فقوله " إذا سمعتم المؤذن " محمول على سماع كل كلمة منه . والفاء تقتضي التعقيب . فإذا حمل على ما ذكرناه : اقتضى تعقيب قول المؤذن بقول الحاكي . وفي اللفظ احتمال لغير ذلك .

الثالث : اختلفوا في أنه إذا سمعه في حال الصلاة : هل يجيبه أم لا ؟ على ثلاثة أقوال للعلماء :

أحدها : أنه يجيب ، لعموم هذا الحديث ، والثاني : لا يجيب ; لأن في الصلاة شغلا . كما ورد . حديث ابن مسعود رضي الله عنه متفق عليه . والثالث : الفرق بين الفريضة والنافلة دون الفريضة ; لأن أمر النافلة أخف . وذكر بعض مصنفي أصحاب الشافعي : أنه هل يكره إجابته في الأذكار التي في الأذان إذا كان في الصلاة ؟ وجهان ، مع الجزم بأنها لا تبطل . وهذا ينبغي أن يخص بما إذا كان في غير قراءة الفاتحة . أما الحيعلة : فإما أن يجيب بلفظها أو لا . فإن أجاب بالحوقلة لم تبطل ; لأنه ذكر ، كما في غيرها من الذكر الذي في الأذان . وإن أجاب بلفظها بطلت ، إلا أن يكون ناسيا ، أو جاهلا بأنه يبطل الصلاة .

وذكر أصحاب مالك في هذه الصورة قولين - أعني إذا قال " حي على الصلاة " في الصلاة - هل تبطل ؟ والذين قالوا بالبطلان عللوه بأنه مخاطبة للآدميين . فأبطل بخلاف بقية ألفاظ الأذان التي هي ذكر ، والصلاة محل الذكر .

ووجه من قال بعدم البطلان : ظاهر هذا الحديث وعمومه ، ومن جهة المعنى : أنه لا يقصد بقوله " حي على الصلاة " دعاء الناس إلى الصلاة ، بل حكاية ألفاظ الأذان .

الرابع : في الحديث دليل أن لفظة " المثل " لا تقتضي المساواة من كل وجه ، فإنه قال " فقولوا مثل ما يقول المؤذن " ولا يراد بذلك المماثلة في كل الأوصاف ، حتى رفع الصوت .

الخامس : قيل في مناسبة جواب الحيطة بالحوقلة : إنه لما دعاهم إلى [ ص: 212 ] الحضور أجابوا بقولهم " لا حول ولا قوة إلا بالله " أي بمعونته وتأييده . والحول والقوة غير مترادفتين ، فالقوة القدرة على الشيء ، والحول : الاحتيال في تحصيله والمحاولة له . والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية