إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
93 - الحديث الحادي عشر : عن عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فرج بين يديه ، حتى يبدو بياض إبطيه } .


الكلام عليه من وجهين .

أحدهما : عبد الله بن مالك ابن بحينة . وبحينة أمه - بضم الباء الموحدة ، وفتح الحاء المهملة ، وبعدها ياء ساكنة ، ونون مفتوحة - وأبوه مالك بن القشب - بكسر القاف وسكون الشين المعجمة ، وآخره [ ص: 252 ] باء - أزدي النسب من أزد شنوءة . توفي في آخر خلافة معاوية . وهو أحد من نسب إلى أمه . فعلى هذا إذا وقع عبد الله " في موضع رفع ، وجب أن ينون " مالك " أبوه ، ويرفع " ابن " لأنه ليس صفة لمالك . فيترك تنوينه ويجر . وإنما هو صفة لعبد الله بن مالك . وإذا وقع عبد الله " في موضع جر : نون مالك وجر " ابن " لأنه ليس " ابن " صفة لمالك . وهذا من المواضع التي يتوقف فيها صفة الإعراب على معرفة التاريخ ، وذلك مثل محمد بن حبيب اللغوي " صاحب كتاب " المحبر " في المؤتلف والمختلف في قبائل العرب . فإن حبيب " أمه لا أبوه ، فعلى هذا يمتنع صرفه ، ويقال : محمد بن حبيب . وقيل : إنه أبوه . ومن غريب ما وقفت عليه في هذا محمد بن شرف القيرواني " الأديب الشاعر المجيد : أنه منسوب إلى أمه " شرف " ولذلك نظائر لو تتبعت لجمع منها قدر كثير . وقد قيل : إن بحينة " أم أبيه مالك . والأول : أصح . وقد اعتنى بجمعها بعض الحفاظ .

الثاني : في الحديث دليل على استحباب التجافي في اليدين عن الجنبين في السجود ، وهو الذي يسمى تخوية . وفيه أيضا عدم بسط الذراعين على الأرض ، فإنه لا يرى بياض الإبطين مع بسطهما . والتخوية مستحبة للرجال . لأن فيها إعمال اليدين في العبادة ، وإخراج هيئتها عن صفة التكاسل والاستهانة إلى صفة الاجتهاد ، وقد يكون في ذلك أيضا - على ما أشار إليه بعضهم - بعض الحمل على الوجه الذي يتأثر بما يلاقيه من الأرض ، وهذا مشروط بأن لا يكون هذا الحمل عن الوجه مزيلا للتحامل على الأرض . فإنه قد اشترط في السجود ، والفقهاء خصوا ذلك بالرجال ، وقالوا : المرأة تضم بعضها إلى بعض ، لأن المقصود منها التصون والتجمع والتستر . وتلك الحالة أقرب إلى هذا المقصود . .

التالي السابق


الخدمات العلمية