إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
98 - الحديث الأول : عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب } .


[ ص: 266 ] " عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم أنصاري سالمي عقبي بدري يكنى أبا الوليد . توفي بالشام . وقبره معروف به على ما ذكر . يقال : توفي سنة أربع وثلاثين بالرملة . وقيل : ببيت المقدس . والحديث دليل على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة . ووجه الاستدلال منه ظاهر ، إلا أن بعض علماء الأصول اعتقد في مثل هذا اللفظ الإجمال ، من حيث إنه يدل على نفي الحقيقة . وهي غير منتفية فيحتاج إلى إضمار ، ولا سبيل إلى إضمار كل محتمل لوجهين : أحدهما : أن الإضمار إنما احتيج إليه للضرورة . والضرورة تندفع بإضمار فرد . ولا حاجة لإضمار أكثر منه . وثانيهما : أن إضمار الكل قد يتناقض . فإن إضمار الكمال يقتضي إثبات أصل الصحة . ونفي الصحة يعارضه . وإذا تعين إضمار فرد فليس البعض أولى من البعض . فتعين الإجمال . وجواب هذا : أنا لا نسلم أن الحقيقة غير منتفية . وإنما تكون غير منتفية لو حمل لفظ " الصلاة " على غير عرف الشرع . وكذلك لفظ " الصيام " وغيره أما إذا حمل على عرف الشرع ، فيكون منتفيا حقيقة . ولا يحتاج إلى الإضمار المؤدي إلى الإجمال ، ولكن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه . لأنه الغالب . ولأنه المحتاج إليه فيه . فإنه بعث لبيان الشرعيات ، لا لبيان موضوعات اللغة . وقوله { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب } قد يستدل به من يرى وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ، بناء على أن كل ركعة تسمى صلاة . وقد يستدل به من يرى وجوبها في ركعة واحدة ، بناء على أنه يقتضي حصول اسم " الصلاة " عند قراءة الفاتحة . فإذا حصل مسمى قراءة الفاتحة في ركعة فوجب أن تحصل الصلاة . والمسمى يحصل بقراءة الفاتحة مرة واحدة ، فوجب القول بحصول مسمى الصلاة . ويدل على أن الأمر كما يدعيه ; أن إطلاق اسم الكل على الجزء مجاز . ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم { خمس صلوات كتبهن الله على العباد } فإنه يقتضي أن اسم " الصلاة " حقيقة في مجموع الأفعال ، لا في كل ركعة . لأنه لو كان حقيقة في كل ركعة لكان المكتوب على العباد : سبع عشرة صلاة . وجواب هذا : أن غاية ما فيه دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة [ ص: 267 ] في ركعة . فإذا دل دليل خارج منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدما عليه . وقد استدل بالحديث على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم . لأن صلاة المأموم صلاة . فتنتفي عند انتفاء قراءة الفاتحة . فإن وجد دليل يقتضي تخصيص صلاة المأموم من هذا العموم قدم على هذا . وإلا فالأصل العمل به .

التالي السابق


الخدمات العلمية