إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
99 - الحديث الثاني : عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين ، يطول في الأولى ، ويقصر في الثانية ، ويسمع الآية أحيانا وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ، ويقصر في الثانية وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب . وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ، ويقصر في الثانية } .


الأوليان " تثنية الأولى ، وكذلك " الأخريان " وأما ما يسمع على الألسنة من " الأولة " وتثنيتها بالأولتين فمرجوح في اللغة . ويتعلق بالحديث أمور :

أحدها : يدل على قراءة السورة في الجملة مع الفاتحة . وهو متفق عليه والعمل متصل به من الأمة . وإنما اختلفوا في وجوب ذلك ، أو عدم وجوبه . وليس في مجرد الفعل - كما قلنا - ما يدل على الوجوب ، إلا أن يتبين أنه وقع بيانا لمجمل واجب ، ولم يرد دليل راجح على إسقاط الوجوب . وقد ادعي في كثير من الأفعال التي قصد إثبات وجوبها : أنها بيان لمجمل . وقد تقدم لنا في هذا بحث . وهذا الموضع مما يحتاج من سلك تلك الطريقة إلى إخراجه عن كونه بيانا ، أو إلى أن يفرق بينه وبين ما ادعي فيه كونه بيانا من الأفعال . فإنه ليس معه في تلك المواضع إلا مجرد الفعل ، وهو موجود ههنا .

الثاني : اختلف العلماء في استحباب قراءة السورة في الركعتين الأخريين [ ص: 268 ] وللشافعي قولان . وقد يستدل بهذا الحديث على اختصاص القراءة بالأوليين فإنه ظاهر الحديث ، حيث فرق بين الأوليين والأخريين فيما ذكره من قراءة السورة وعدم قراءتها ، وقد يحتمل غير ذلك ، لاحتمال اللفظ لأن يكون أراد تخصيص الأوليين بالقراءة الموصوفة بهذه الصفة ، أعني التطويل في الأولى والتقصير في الثانية .

الثالث : يدل على أن الجهر بالشيء اليسير من الآيات في الصلاة السرية جائز مغتفر لا يوجب سهوا يقتضي السجود .

الرابع : يدل على استحباب تطويل الركعة الأولى بالنسبة إلى الثانية ، فيما ذكر فيه . وأما تطويل القراءة في الأولى بالنسبة إلى القراءة في الثانية : ففيه نظر . وسؤال على من رأى ذلك ، لكن اللفظ إنما دل على تطويل الركعة ، وهو متردد بين تطويلها بمحض القراءة ، وبمجموع ، منه القراءة . فمن لم ير أن يكون مع القراءة غيرها ، وحكم باستحباب تطويل الأولى ، مستدلا بهذا الحديث : لم يتم له إلا بدليل من خارج ، على أنه لم يكن مع القراءة غيرها . ويمكن أن يجاب عنه بأن المذكور هو القراءة . والظاهر : أن التطويل والتقصير راجعان إلى ما ذكر قبلهما وهو القراءة .

الخامس : فيه دليل على جواز الاكتفاء بظاهر الحال في الأخبار ، دون التوقف على اليقين . لأن الطريق إلى العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلا بسماع كلها . وإنما يفيد اليقين ذلك لو كان في الجهرية . وكأنه أخذ من سماع بعضها ، مع قيام القرينة على قراءة باقيها . فإن قلت : قد يكون أخذ ذلك بإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم . قلت : لفظة " كان " ظاهرة في الدوام والأكثرية ، ومن ادعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخبرهم عقيب الصلاة دائما ، أو أكثريا بقراءة السورتين . فقد أبعد جدا . .

التالي السابق


الخدمات العلمية