إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
100 - الحديث الثالث : { عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور } [ ص: 269 ] الحديث الرابع : عن البراء بن عازب رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر ، فصلى العشاء الآخرة ، فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه } .


" جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف قرشي نوفلي يكنى أبا محمد ويقال أبو عدي . كان من حكماء قريش وساداتهم ، وكان يؤخذ عنه النسب . أسلم فيما قيل : يوم الفتح ، وقيل : عام خيبر . ومات بالمدينة سنة سبع وخمسين ، وقيل : سنة تسع وخمسين . وحديثه وحديث البراء الذي بعده يتعلقان بكيفية القراءة في الصلاة . وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أفعال مختلفة في الطول والقصر ، وصنف فيها بعض الحفاظ كتابا مفردا . والذي اختاره الشافعية التطويل : في قراءة الصبح والظهر ، والتقصير في المغرب ، والتوسط في العصر والعشاء ، وغيرهم يوافق في الصبح والمغرب ، ويخالف في الظهر والعصر والعشاء . واستمر العمل من الناس على التطويل في الصبح ، والقصر في المغرب ، وما ورد على خلاف ذلك من الأحاديث ، فإن ظهرت له علة في المخالفة فقد يحمل على تلك العلة ، كما في حديث البراء بن عازب المذكور ، فإنه ذكر " أنه في السفر " فمن يختار أوساط المفصل لصلاة العشاء الآخرة : يحمل ذلك على أن السفر مناسب للتخفيف ، لاشتغال المسافر وتعبه . والصحيح عندنا : أن ما صح في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يكثر مواظبته عليه ، فهو جائز من غير كراهة ، كحديث جبير بن مطعم في قراءة الطور في المغرب " وكحديث قراءة " الأعراف " فيها . وما صحت المواظبة عليه ، فهو في درجة الرجحان في الاستحباب إلا أن غيره مما قرأه النبي صلى الله عليه وسلم غير مكروه . وقد تقدم الفرق بين كون [ ص: 270 ] الشيء مستحبا وبين كون تركه مكروها . وحديث جبير بن مطعم المتقدم مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه ، لما قدم في فداء الأسارى . وهذا النوع من الأحاديث قليل - أعني : التحمل قبل الإسلام والأداء بعده .

التالي السابق


الخدمات العلمية