إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
116 - الحديث السادس : عن أنس بن مالك قال { كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر . فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض : بسط ثوبه فسجد عليه } .


الكلام عليه من وجوه :

أحدها : أنه يقتضي تقديم الظهر في أول الوقت مع الحر ، ويعارضه ما قدمناه في أمر الإبراد على ما قيل . فمن قال : إن الإبراد رخصة فلا إشكال عليه . لأن التقديم حينئذ يكون سنة . والإبراد جائز . ومن قال : إن الإبراد سنة ، فقد ردد بعضهم القول في أن يكون منسوخا . أعني التقديم في شدة الحر ، أو يكون على الرخصة . ويحتمل عندي : أن لا يكون ثمة تعارض . لأنا إن جعلنا الإبراد إلى حيث يبقى ظل يمشى فيه إلى المسجد ، أو إلى ما زاد على الذراع . فلا يبعد أن يبقى مع ذلك حر يحتاج معه إلى بسط الثوب . فلا تعارض .

الثاني : فيه دليل على جواز استعمال الثياب وغيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض لاتقائه بذلك حر الأرض وبردها .

الثالث : فيه دليل على أن مباشرة ما باشر الأرض بالجبهة واليدين هو الأصل . فإنه علق بسط الثوب بعدم الاستطاعة . وذلك يفهم منه أن الأصل والمعتاد عدم بسطه .

الرابع : استدل به بعض من أجاز السجود على الثوب المتصل بالمصلي . وهو يحتاج إلى أمرين :

أحدهما : أن تكون لفظة " ثوبه " دالة على المتصل به ، إما من حيث اللفظ ، أو من أمر خارج عنه ( ونعني بالأمر الخارج قلة الثياب [ ص: 303 ] عندهم . ومما يدل عليه من جهة اللفظ : قوله " بسط ثوبه . فسجد عليه " يدل على أن البسط معقب بالسجود ، لدلالة الفاء على ذلك ظاهرا ) .

والثاني : أن يدل دليل على تناوله لمحل النزاع . إذ من منع السجود على الثوب المتصل به : يشترط في المنع أن يكون متحركا بحركة المصلي . وهذا الأمر الثاني سهل الإثبات . لأن طول ثيابهم إلى حيث لا تتحرك بالحركة بعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية