إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
144 - الحديث الثالث : عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال { صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر . ثم خطب . ثم ذبح وقال : من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها ، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله } .


" جندب بن عبد الله بن سفيان بجلي ، من بجيلة علقي . وهو حي من بجيلة ، يقال فيه : جندب بن سفيان ، متفق على إخراج حديثه ; يقال : مات سنة أربع وستين . والحديث الذي رواه : في معنى الحديث الذي قبله ، وهو أدخل في الظهور في اعتبار فعل الصلاة من الأول ، من حيث إن الأول اقتضى تعليق الحكم بلفظ " الصلاة "

( وقد قلنا : إنه يحتمل أن تكون الألف واللام للعهد ، فينصرف إلى [ ص: 346 ] صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيتعين وقتها ، وهذا المعنى معدوم في هذا الحديث وهذا لم يعلق فيه الحكم بلفظ فيه الألف واللام ، حتى يتأتى فيه ذلك البحث ) إلا أنه إن جرينا على ظاهره : اقتضى أنه لا تجزي الأضحية في حق من لم يصل صلاة العيد أصلا .

فإن ذهب إليه أحد فهو أسعد الناس بظاهر هذا الحديث ، وإلا فالواجب الخروج عن الظاهر في هذه الصورة ، ويبقى ما عداها بعد الخروج عن الظاهر في محل البحث . وقد يستدل بصيغة الأمر في قوله عليه السلام " فليذبح أخرى " إحدى طائفتين : إما من يرى الأضحية واجبة . وإما من يرى أنها تتعين بالشراء بنية الأضحية ، أو بغير ذلك ، من غير اعتبار لفظ في التعيين .

وإنما قلت ذلك لأن اللفظ المعين للأضحية من صيغة النذر أو غيرها : قليل نادر ، وصيغة " من " في قوله { من ذبح } صيغة عموم واستغراق في حق كل من ذبح قبل أن يصلي . فقد ذكرت لتأسيس قاعدة وتمهيد أصل ، وتنزيل صيغ العموم التي ترد لتأسيس القواعد على الصورة النادرة أمر مستكره ، على ما قرر من قواعد التأويل في أصول الفقه . فإذا تقرر هذا وهو استبعاد حمله على الأضحية المعينة بالنذر أو غيره من الألفاظ - يبقى التردد في أن الأولى حمله على من سبق له أضحية معينة بغير اللفظ ، أو حمله على ابتداء الأضحية من غير سبق تعيين .

التالي السابق


الخدمات العلمية