إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
147 - الحديث الأول : عن عائشة رضي الله عنها { أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مناديا ينادي : الصلاة جامعة . فاجتمعوا . وتقدم ، فكبر وصلى أربع ركعات في ركعتين ، وأربع سجدات } .


الكلام عليه من وجوه :

أحدها : قولها " خسفت الشمس " يقال بفتح الخاء والسين . ويقال : [ ص: 350 ] خسفت ، على صيغة ما لم يسم فاعله . واختلف الناس في الخسوف والكسوف بالنسبة إلى الشمس والقمر . فقيل : الخسوف للشمس . والكسوف للقمر . وهذا لا يصح . لأن الله تعالى أطلق الخسوف على القمر ، وقيل : بالعكس . وقيل : هما بمعنى واحد . ويشهد لهذا اختلاف الألفاظ في الأحاديث . فأطلق فيهما الخسوف والكسوف معا في محل واحد . وقيل : الكسوف ذهاب النور بالكلية . والخسوف : التغير ، أعني تغير اللون .

الثاني : صلاة الكسوف سنة مؤكدة بالاتفاق . أعني كسوف الشمس . دليله فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لها . وجمعه الناس ، مظهرا لذلك . وهذه أمارات الاعتناء والتأكيد . وأما كسوف القمر : فتردد فيها مذهب مالك وأصحابه ، ولم يلحقها بكسوف الشمس في قول .

الثالث : لا يؤذن لصلاة الكسوف اتفاقا . والحديث يدل على أنه ينادى لها " الصلاة جامعة " وهي حجة لمن استحب ذلك .

الرابع : سنتها الاجتماع . للحديث المذكور . وقد اختلفت الأحاديث في كيفيتها : واختلف العلماء في ذلك . فالذي اختاره مالك والشافعي رحمهما الله : ما دل عليه حديث عائشة وابن عباس ، من أنها ركعتان ، في كل ركعة قيامان ، وركوعان وسجودان . وقد صح غير ذلك أيضا ، وهو ثلاث ركعات ، وأربع ركعات في كل ركعة ، وقيل : في ترجيح مذهب مالك والشافعي : إن ذلك أصح الروايات . والحديث صريح في الرد على من قال : بأنها ركعتان ، كسائر النوافل . واعتذروا عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع رأسه ليختبر حال الشمس . هل انجلت أم لا ؟ فلما لم يرها انجلت ركع . وفي هذا التأويل ضعف ، إذا قلنا : إن سنتها ركعتان ، كسائر النوافل . لكن قال بعض العلماء : إنه يرفع رأسه بعد الركوع . فإن رأى الشمس لم تنجل ركع . ثم يرفع رأسه ويختبر أمر الشمس . فإن لم تنجل ركع . ويزيد الركوع هكذا ، ما لم تنجل . فإذا انجلت سجد . ولعله قصد بذلك العلم بالأحاديث التي فيها أكثر من ركوعين في ركعة ، ثلاث ، وأربع ، وخمس . وهذا على هذا المذهب : أقرب من [ ص: 351 ] تأويل المتقدمين . لأنه يجعل سنة صلاة الكسوف ذلك ويكون الفعل مبينا لسنة هذه الصلاة . وعلى مذهب الأولين يريدون أن يخرجوا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم . في العبادات عن المشروعية ، مع مخالفتهم للقياس في زيادة ما ليس من الأفعال المشروعة في الصلاة . وقد أطلق في الحديث لفظ " الركعات " على الركوع . .

التالي السابق


الخدمات العلمية