إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
151 - الحديث الأول : عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني قال { خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي ، فتوجه إلى القبلة يدعو ، وحول رداءه ، ثم صلى ركعتين ، جهر فيهما بالقراءة } وفي لفظ " إلى المصلى " .


فيه دليل على استحباب الصلاة للاستسقاء . وهو مذهب جمهور الفقهاء وعند أبي حنيفة : لا يصلى للاستسقاء ، ولكن يدعى . وخالفه أصحابه ، فوافقوا الجماعة . وقالوا : تصلى فيه ركعتان بجماعة . واستدل لأبي حنيفة باستسقاء النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة ولم يصل للاستسقاء . قالوا : لو كانت سنة لما تركها . وفيه دليل على أن سنة الاستسقاء : البروز إلى المصلى . وفيه دليل على استحباب تحويل الرداء في هذه العبادة . وخالف أبو حنيفة في ذلك . وقيل : إن سبب التحويل : التفاؤل بتغيير الحال . وقال من احتج لأبي حنيفة : إنما قلب رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع اليدين في الدعاء ، أو عرف من طريق الوحي تغير الحال عند تغيير ردائه . قلنا : القلب من جهة إلى أخرى ، أو من ظهر إلى بطن : لا يقتضي الثبوت على العاتق . بل أي حالة اقتضت الثبوت أو عدمه في إحدى الجهتين : فهو موجود [ ص: 358 ] في الأخرى ، وإن كان قد قرب من السقوط في تلك الحال . فيمكن أن يثبته من غير قلب . والأصل عدم ما ذكر من نزول الوحي بتغير الحال عند تغير الرداء . والاتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من تركه لمجرد احتمال الخصوص ، مع ما عرف في الشرع من محبة التفاؤل . وفيه دليل على تقديم الدعاء على الصلاة ، ولم يصرح بلفظ الخطبة . والخطبة عند مالك والشافعي بعد الصلاة . وفيه حديث عن أبي هريرة يقتضيه ، وفيه دليل على استقبال القبلة عند الدعاء مطلقا . وفيه دليل على الجهر في هذه الصلاة . والتحويل المذكور في الحديث يكتفي في تحصيل مسماه : بمجرد القلب من اليمين إلى اليسار . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية