إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
155 - الحديث الثالث : عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال { شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا صفين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة ، وكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا ، ثم ركع وركعنا جميعا ، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه ، وقام الصف المؤخر في نحر العدو ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود ، وقام الصف الذي يليه : [ ص: 364 ] انحدر الصف المؤخر بالسجود ، وقاموا ، ثم تقدم الصف المؤخر ، وتأخر الصف المقدم ، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا ، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ، ثم انحدر بالسجود ، والصف الذي يليه - الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى - فقام الصف المؤخر في نحر العدو ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه : أنحدر الصف المؤخر بالسجود ، فسجدوا ثم سلم صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا ، قال جابر : كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم } وذكره مسلم بتمامه . وذكر البخاري طرفا منه ، { وأنه صلى صلاة الخوف مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوة السابعة ، غزوة ذات الرقاع } .


هذه كيفية الصلاة إذا كان العدو في جهة القبلة . فإنه تتأتى الحراسة مع كون الكل مع الإمام في الصلاة . وفيها التأخير عن الإمام لأجل العدو . والحديث يدل على أمور :

أحدها : أن الحراسة في السجود لا في الركوع ، هذا هو المذهب المشهور . وحكي وجه عن بعض أصحاب الشافعي : أنه يحرس في الركوع أيضا .

والمذهب : الأول . لأن الركوع لا يمنع من إدراك العدو بالبصر . فالحراسة ممكنة معه ، بخلاف السجود .

الثاني : المراد بالسجود الذي سجده النبي صلى الله عليه وسلم وسجد معه الصف الذي يليه : هو السجدتان جميعا .

الثالث : الحديث يدل على أن الصف الذي يلي الإمام يسجد معه في الركعة [ ص: 365 ] الأولى ، ويحرس الصف الثاني فيها ، ونص الشافعي على خلافه ، وهو أن الصف الأول يحرس في الركعة الأولى . فقال بعض أصحابه : لعله سها ، أو لم يبلغه الحديث . وجماعة من العراقيين وافقوا الصحيح ، ولم يذكر بعضهم سوى ما دل عليه الحديث . كأبي إسحاق الشيرازي وبعضهم قال بذلك ، بناء على المشهور عن الشافعي : أن الحديث إذا صح يذهب إليه ، ويترك قوله . وأما الخراسانيون : فإن بعضهم تبع نص الشافعي ، كالغزالي في الوسيط ومنهم من ادعى : أن في الحديث رواية كذلك . ورجح ما ذهب إليه الشافعي بأن الصف الأول يكون جنة لمن خلفه . ويكون ساترا له عن أعين المشركين . وبأنه أقرب إلى الحراسة . وهؤلاء مطالبون بإبراز تلك الرواية . والترجيح إنما يكون بعدها .

الرابع : الحديث يدل على أن الحراسة يتساوى فيها الطائفتان في الركعتين ، فلو حرست طائقة واحدة في الركعتين معا ففي صحة صلاتهم خلاف لأصحاب الشافعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية