إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
166 - الحديث الحادي عشر : عن عائشة رضي الله عنها قال : { لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة ، يقال لها : مارية - وكانت أم سلمة وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة - فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها ، فرفع رأسه صلى الله عليه وسلم وقال : أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، ثم صوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله . }


فيه دليل على تحريم مثل هذا الفعل . وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور .

ولقد أبعد غاية البعد من قال : إن ذلك محمول على الكراهة ، وإن هذا التشديد كان في ذلك الزمان ، لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان . وهذا الزمان حيث انتشر الإسلام وتمهدت قواعده - لا يساويه في هذا المعنى . فلا يساويه في هذا التشديد - هذا أو معناه - وهذا القول عندنا باطل قطعا . لأنه قد ورد في الأحاديث : الإخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين . وأنهم يقال لهم " أحيوا ما خلقتم " وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل وقد صرح بذلك في قوله عليه السلام { المشبهون بخلق الله } وهذه علة عامة مستقلة مناسبة . لا تخص [ ص: 374 ] زمانا دون زمان . وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي . يمكن أن يكون هو المراد ، مع اقتضاء اللفظ التعليل بغيره . وهو التشبه بخلق الله . وقوله عليه السلام { بنوا على قبره مسجدا } إشارة إلى المنع من ذلك . وقد صرح به الحديث الآخر { لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } { اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد } .

التالي السابق


الخدمات العلمية