إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
171 - الحديث الثاني : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ليس فيما دون خمس أواق صدقة . ولا فيما دون خمس ذود صدقة . ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة } .


يقال " أواقي " بالتشديد والتخفيف ، وتحذف الياء . ويقال : أوقية - بضم الهمزة وتشديد الياء - ووقية . وأنكرها بعضهم " والأوقية " أربعون درهما ، فالنصاب مائتا درهم ، والدرهم : ينطلق على الخالص حقيقة .

فإن كان مغشوشا لم تجب الزكاة حتى يبلغ من الخالص مائتي درهم و " الذود " قيل : إنه ينطلق على الواحد . وقيل : إنها كالقوم والرهط . والحديث دليل على الزكاة فيما دون هذه المقادير من هذه الأعيان وأبو حنيفة يخالف في زكاة الحرث . ويعلق الزكاة بكل قليل وكثير منه . ويستدل له بقوله عليه السلام { فيما سقت السماء العشر ، وفيما سقي بنضح أو دالية ففيه نصف العشر } وهذا عام في القليل والكثير . وأجيب عن هذا بأن المقصود من الحديث بيان قدر المخرج ، لا بيان المخرج منه . وهذا فيه قاعدة أصولية . وهو أن الألفاظ العامة بوضع اللغة على ثلاث مراتب .

أحدها : ما ظهر فيه عدم قصد التعميم ، ومثل بهذا الحديث . [ ص: 380 ] والثانية : ما ظهر فيه قصد التعميم بأن أورد مبتدأ لا على سبب ، لقصد تأسيس القواعد . والثالثة : ما لم يظهر فيه قرينة زائدة تدل على التعميم . ولا قرينة تدل على عدم التعميم . وقد وقع تنازع من بعض المتأخرين في القسم الأول في كون المقصود منه عدم التعميم . فطالب بعضهم بالدليل على ذلك . وهذا الطريق ليس بجيد ; لأن هذا أمر يعرف من سياق الكلام ، ودلالة السياق لا يقام عليها دليل ، وذلك لو فهم المقصود من الكلام ، وطولب بالدليل عليه لعسر . فالناظر يرجع إلى ذوقه ، والمناظر يرجع إلى دينه وإنصافه . واستدل بالحديث من يرى أن النقصان اليسير في الوزن يمنع وجوب الزكاة وهو ظاهر الحديث . ومالك يسامح بالنقص اليسير جدا ، الذي تروج معه الدراهم والدنانير رواج الكامل . وأما " الأوسق " فاختلف أصحاب الشافعي في أن المقدار فيها تقريب أو تحديد . ومن قال : إنه تقريب يسامح باليسير ، وظاهر الحديث : يقتضي أن النقصان لا يؤثر . والأظهر : أن النقصان اليسير جدا الذي لا يمنع إطلاق الاسم في العرف ، ولا يعبأ به أهل العرب : أنه يغتفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية