إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
173 - الحديث الرابع : عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { العجماء جبار . والبئر جبار . والمعدن جبار . وفي الركاز الخمس . } .


[ ص: 382 ] الجبار " الهدر وما لا يضمن و " العجماء " الحيوان البهيم . وورد في بعض الروايات " جرح العجماء جبار " والحديث يقتضي : أن جرح العجماء جبار بنصه .

فيحتمل أن يراد بذلك : جناياتها على الأبدان والأموال . ويحتمل أن يراد : الجناية على الأبدان فقط . وهو أقرب إلى حقيقة الجرح . وعلى كل تقدير فلم يقولوا بهذا العموم ، أما جناياتها على الأموال : فقد فصل في المزارع بين الليل والنهار ، وأوجب على المالك ضمان ما أتلفته بالليل دون النهار ، وفيه حديث عن النبي يقتضي ذلك . وأما جناياتها على الأبدان : فقد تكلم فيها إذا كان معها الراكب والسائق والقائد ، وفصلوا فيه القول ، واختلفوا في بعض الصور . فلم يقولوا بالعموم في إهدار جناياتها ، فيمكن أن يقال : إن جنايتها هدر ، إذا لم يكن ثمة تقصير من المال ، أو ممن هي تحت يده ، وينزل الحديث على ذلك .

وأما الركاز : فالمعروف فيه عند الجمهور : أنه دفن الجاهلية ، والحديث يقتضي أن الواجب فيه : الخمس بنصه . وفي مصرفه وجهان للشافعية :

أحدهما : إلى أهل الزكاة . والثاني : إلى أهل الفيء . وهو اختيار المزني . وقد تكلم الفقهاء في مسائل تتعلق بالركاز يمكن أن تؤخذ من الحديث :

أحدها : أن الركاز هل يختص بالذهب والفضة ، أو يجري في غيرهما ؟ وللشافعي فيه قولان . وقد يتعلق بالحديث من يجريه في غيرهما من حيث العموم . وجديد قول الشافعي : أنه يختص . الثانية : الحديث يدل على أنه لا فرق في الركاز بين القليل والكثير ، ولا يعتبر فيه النصاب . وقد اختلف في ذلك .

الثالثة : يستدل به على أنه لا يجب الحول في إخراج زكاة الركاز . ولا خلاف فيه عند الشافعي ، كالغنيمة والمعشرات . وله في المعدن اختلاف قول في اعتبار الحول . والفرق : أن الركاز يحصل جملة ، من غير كد ولا تعب . والنماء فيه متكامل . وما تكامل فيه النماء لا يعتبر فيه الحول . فإن الحول مدة مضروبة لتحصيل النماء . وفائدة المعدن تحصل بكد وتعب شيئا فشيئا . فيشبه أرباح التجارة فيعتبر فيها الحول . [ ص: 383 ]

الرابعة : تكلم الفقهاء في الأراضي التي يوجد فيها الركاز . وجعل الحكم مختلفا باختلافها . ومن قال منهم : بأن في الركاز الخمس ، إما مطلقا أو في أكثر الصور . فهو أقرب إلى الحديث وعند الشافعية : أن الأرض إن كانت مملوكة لمالك محترم ، مسلم أو ذمي ، فليس بركاز ، فإن ادعاه فهو له . وإن نازعه منازع فالقول قوله . وإن لم يدعه لنفسه عرض على البائع ، ثم على بائع البائع ، حتى ينتهي الأمر إلى من عمر الموضع فإن لم يعرف فظاهر المذهب : أنه يجعل لقطة وقيل : ليس بلقطة ، ولكنه مال ضائع ، يسلم إلى الإمام ، ويجعله في بيت المال . وإن وجد الركاز في أرض عامرة لحربي فهو كسائر أموال الحربي إذا حصلت في أيدي المسلمين . وإذا وجد في موات دار الحرب فهو كموت دار الإسلام عند الشافعي . للواجد أربعة أخماسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية