إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
[ ص: 388 ] 176 - الحديث الأول : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر - أو قال رمضان - على الذكر والأنثى والحر والمملوك : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . قال : فعدل الناس به نصف صاع من بر ، على الصغير والكبير . وفي لفظ أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة } .


المشهور من مذاهب الفقهاء : وجوب زكاة الفطر ، لظاهر هذا الحديث ، وقوله " فرض " . وذهب بعضهم إلى عدم الوجوب ، وحملوا " فرض " على معنى قدر ، وهو أصله في اللغة ، لكنه نقل في عرف الاستعمال إلى الوجوب ، فالحمل عليه أولى . لأنه ما اشتهر في الاستعمال فالقصد إليه هو الغالب . وقوله " رمضان " وفي رواية أخرى " من رمضان " قد يتعلق به من يرى : أن وقت الوجوب غروب الشمس من ليلة العيد ، وقد يتعلق به من يرى أن وقت الوجوب : طلوع الفجر من يوم العيد ، وكلا الاستدلالين ضعيف . لأن إضافتهما إلى الفطر من رمضان لا يستلزم أنه وقت الوجوب ، بل يقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان ، فيقال حينئذ بالوجوب ، لظاهر لفظة " فرض " ويؤخذ وقت الوجوب من أمر آخر . وقوله { على الذكر والأنثى ، والحر ، والمملوك } يقتضي وجوب الإخراج عن هؤلاء . وإن كانت لفظة " على " تقتضي الوجوب عليهم ظاهرا . وقد اختلف الفقهاء في أن الذي يخرج عنهم : هل باشرهم الوجوب أو لا ؟ والمخرج يتحمله أم الوجوب يلاقي المخرج أو لا ؟ فقد يتمسك من قال بالقول الأول بظاهر قوله " على الذكر والأنثى ، والحر والمملوك " فإن ظاهره : يقتضي تعلق الوجوب بهم . كما ذكرنا . وشرط هذا التمسك : إمكان ملاقاة الوجوب للأصل . [ ص: 389 ] و " الصاع " أربع أمداد . والمد : رطل وثلث بالبغدادي . وخالف في ذلك أبو حنيفة . وجعل الصاع ثمانية أرطال . واستدل مالك . بنقل الخلف عن السلف بالمدينة . وهو استدلال صحيح قوي في مثل هذا . ولما ناظر أبا يوسف بحضرة الرشيد في المسألة رجع أبو يوسف إلى قوله ، لما استدل بما ذكرناه . وقوله " صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير " بيان لجنس المخرج في هذه الزكاة . وقد ورد تعيين أجناس لها في أحاديث متعددة أزيد مما في هذا الحديث . فمن الناس : من أجاز جميع هذه الأجناس مطلقا لظاهر الحديث . ومنهم من قال : لا يخرج إلا غالب قوت البلد . وإنما ذكرت هذه الأشياء لأنها كلها كانت مقتاتة بالمدينة في ذلك الوقت . فعلى هذا لا يجزئ بأرض مصر إلا إخراج البر . لأنه غالب القوت . وقوله " فعدل الناس - إلى آخره " هو مذهب أبي حنيفة في البر . فإنه يخرج منه نصف صاع . وقيل : إن الذي عدل ذلك : معاوية بن أبي سفيان . وروي في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من جهة ابن عباس ، ولا يمكن من قال بهذا المذهب : أن يستدل بقوله " فعدل الناس " ويجعل ذلك إجماعا على هذا الحكم ، ويقدمه على خبر الواحد . لأن أبا سعيد الخدري قد خالف في ذلك . وقال " أما أنا : فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه " ولا يخلو هذا من نظر . والسنة في صدقة الفطر : أن تؤدى قبل الخروج إلى الصلاة ، ليحصل غنى الفقير . وينقطع تشوفه عن الطلب في حالة العبادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية