إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
177 - الحديث الثاني : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال { كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من زبيب . فلما جاء معاوية ، وجاءت السمراء ، قال : أرى مدا من هذه يعدل مدين . قال أبو سعيد : أما أنا : فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم }
[ ص: 390 ]

وقول أبي سعيد " صاعا من طعام " يريد به البر . فيه دليل على خلاف مذهب أبي حنيفة ، في أن البر يخرج منه نصف صاع . وهذا أصرح في المراد ، وأبعد عن التقدير والتقويم بنصف صاع من حديث ابن عمر . فإن في ذلك الحديث نصا على التمر والشعير . فتقدير الصاع منهما بنص الصاع من البر : لا يكون مخالفا للنص ، بخلاف حديث أبي سعيد ، فإنه يكون مخالفا له . وقد كانت لفظة " الطعام " تستعمل في " البر " عند الإطلاق ، حتى إذا قيل : اذهب إلى سوق الطعام ، فهم منه سوق البر ، وإذا غلب العرف بذلك نزل اللفظ عليه . لأن الغالب أن الإطلاق في الألفاظ : على حسب ما يخطر في البال من المعاني والمدلولات . وما غلب استعمال اللفظ عليه فخطوره عند الإطلاق أقرب . فينزل اللفظ عليه . وهذا بناء على أن يكون هذا العرف موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم . وتردد قول الشافعي في إخراج " الأقط " وقد صح الحديث به . وقد ذكر " الزبيب " في هذا الحديث . والكلام في هذه الأجناس قد مر . وهل تتعين هذه لأنها كانت أقواتا في ذلك الوقت ، أو يتعلق الحكم بها مطلقا ؟ و " السمراء " يراد بها الحنطة المحمولة من الشام . وفي هذا الحديث : دليل على ما قيل : من أن معاوية هو الذي عدل الصاع من غير " البر " بنصف الصاع منه ويؤخذ منه القول بالاجتهاد بالنظر ، والتعويل على المعاني في الجملة . وإن كان في هذا الموضع إذا لم يرد بذلك نص خاص - مرجوحا بمخالفة النص . والله أعلم .

تم الجزء الأول من شرح عمدة الأحكام ويليه الجزء الثاني وأوله ( كتاب الصيام ) إن شاء الله تعالى . والله الموفق والمعين على الإتمام . وصلى الله وسلم وبارك على عبده الكريم ورسوله المصطفى محمد وعلى آله أجمعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية