إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
179 - الحديث الثاني : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إذا رأيتموه فصوموا . وإذا رأيتموه فأفطروا . فإن غم عليكم فاقدروا له } .


الكلام عليه من وجوه :

أحدها : أنه يدل على تعليق الحكم بالرؤية . ولا يراد بذلك : رؤية كل فرد ، بل مطلق الرؤية . ويستدل به على عدم تعليق الحكم بالحساب الذي يراه المنجمون . وعن بعض المتقدمين : أنه رأى العمل به . وركن إليه بعض البغداديين من المالكية . وقال به بعض أكابر الشافعية بالنسبة إلى صاحب الحساب . وقد استشنع هذا ، لما حكي عن مطرف بن عبد الله من المتقدمين قال بعضهم : ليته لم يقله . والذي أقول به : إن الحساب لا يجوز أن يعتمد عليه في الصوم ، لمفارقة القمر للشمس ، على ما يراه المنجمون ، من تقدم الشهر بالحساب على الشهر بالرؤية بيوم أو يومين . فإن ذلك إحداث لسبب لم يشرعه الله تعالى . وأما إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى ، لولا وجود المانع - كالغيم مثلا فهذا يقتضي الوجوب ، لوجود السبب الشرعي . وليس حقيقة الرؤية بشرط من اللزوم ; لأن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بإكمال العدة ، أو بالاجتهاد بالأمارات : أن اليوم من رمضان ، وجب عليه الصوم

وإن لم ير الهلال . ولا أخبره من رآه .

الثاني : يدل على وجوب الصوم على المنفرد برؤية هلال رمضان ، وعلى الإفطار على المنفرد برؤية هلال شوال ، ولقد أبعد من قال : بأنه لا يفطر إذا انفرد برؤية هلال شوال . ولكن قالوا : يفطر سرا .

[ ص: 393 ] الثالث : اختلفوا في أن حكم الرؤية ببلد : هل يتعدى إلى غيرها مما لم ير فيه ؟ . وقد يستدل بهذا الحديث من قال بعدم تعدي الحكم إلى البلد الآخر . كما إذا فرضنا : أنه رئي الهلال ببلد في ليلة ، ولم ير في تلك الليلة بآخر . فتكملت ثلاثون يوما بالرؤية الأولى . ولم ير في البلد الآخر : هل يفطرون أم لا فمن قال بتعدي الحكم ، قال بالإفطار . وقد وقعت المسألة في زمن ابن عباس ، وقال { لا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين ، أو نراه وقال هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم } ويمكن أنه أراد بذلك هذا الحديث العام ، لا حديثا خاصا بهذه المسألة . وهو الأقرب عندي . والله أعلم .

الرابع : استدل لمن قال بالعمل بالحساب في الصوم بقوله " فاقدروا له " فإنه أمر يقتضي التقدير . وتأوله غيرهم بأن المراد : إكمال العدة ثلاثين . ويحمل قوله " فاقدروا له " على هذا المعنى - أعني إكمال العدة ثلاثين - ما جاء في الرواية الأخرى مبينا فأكملوا العدة ثلاثين " . والمراد بقوله عليه السلام " غم عليكم " استتر أمر الهلال وغم أمره . وقد وردت فيه روايات على غير هذه الصيغة .

التالي السابق


الخدمات العلمية