إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
10 - الحديث العاشر : عن نعيم المجمر عن أبي هريرة رضي الله عنه [ ص: 94 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل } .

وفي لفظ لمسلم { رأيت أبا هريرة يتوضأ ، فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل } .

وفي لفظ لمسلم : سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : { تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء } .


الكلام على هذا الحديث من وجوه :

أحدها : قوله " المجمر " بضم الميم وسكون الجيم ، وكسر الميم الثانية .

وصف به أبو نعيم بن عبد الله . ; لأنه كان يجمر المسجد ، أي يبخره .

الثاني : قوله " إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين " يحتمل " غرا " وجهين :

أحدهما : أن يكون مفعولا ليدعون ، كأنه بمعنى يسمون غرا .

والثاني : وهو الأقرب - أن يكون حالا ، كأنهم يدعون إلى موقف الحساب أو الميزان ، أو غير ذلك مما يدعى الناس إليه يوم القيامة ، وهم بهذه الصفة ، أي غرا محجلين .

فيعدى " يدعون " في المعنى بالحرف ، كما قال الله عز وجل { يدعون إلى كتاب الله } ويجوز أن لا يتعدى " يدعون " بحرف الجر .

ويكون " غرا " حالا أيضا . والغرة : في الوجه . والتحجيل : في اليدين والرجلين .

الثالث : المروي المعروف في قوله صلى الله عليه وسلم " من آثار الوضوء " الضم في " الوضوء " ويجوز أن يقال بالفتح ، أي من آثار الماء المستعمل في الوضوء فإن الغرة والتحجيل : نشأ عن الفعل بالماء .

فيجوز أن ينسب إلى كل منهما . الرابع : قوله " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " اقتصر فيه على [ ص: 95 ] لفظ " الغرة " هنا ، دون التحجيل - وإن كان الحديث يدل على طلب التحجيل أيضا .

وكأن ذلك من باب التغليب لأحد الشيئين على الآخر إذا كانا بسبيل واحد . وقد استعمل الفقهاء ذلك أيضا ، وقالوا : يستحب تطويل الغرة . وأرادوا : الغرة والتحجيل . وتطويل الغرة في الوجه : بغسل جزء من الرأس . وفي اليدين : بغسل بعض العضدين .

وفي الرجلين : بغسل بعض الساقين وليس في الحديث تقييد ولا تحديد لمقدار ما يغسل من العضدين والساقين . وقد استعمل أبو هريرة الحديث على إطلاقه وظاهره في طلب إطالة الغرة فغسل إلى قريب من المنكبين .

ولم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا كثر استعماله في الصحابة والتابعين رضي الله عنهم فلذلك لم يقل به كثير من الفقهاء . ورأيت بعض الناس قد ذكر : أن حد ذلك : نصف العضد ، ونصف الساق ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية