إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
188 - الحديث الرابع : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر . فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : صائم . قال : ليس من البر الصيام في السفر } .

وفي لفظ لمسلم { عليكم برخصة الله التي رخص لكم } .


أخذ من هذا : أن كراهة الصوم في السفر لمن هو في مثل هذه الحالة ، ممن يجهده الصوم ويشق عليه ، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من القربات

ويكون قوله " ليس من البر الصيام في السفر " منزلا على مثل هذه الحالة

والظاهرية المانعون من الصوم في السفر يقولون : إن اللفظ عام . والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ويجب أن تتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن الدالة على تخصيص العام ، وعلى مراد المتكلم ، وبين مجرد ورود العام على سبب ، ولا تجريهما مجرى واحدا . فإن مجرد ورود العام على السبب لا يقتضي التخصيص به .

كقوله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } بسبب سرقة رداء صفوان . وأنه لا يقتضي التخصيص به بالضرورة والإجماع .

أما السياق والقرائن : فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه . وهي المرشدة إلى بيان المجملات ، وتعيين المحتملات .

فاضبط هذه القاعدة . فإنها مفيدة في مواضع لا تحصى . وانظر في قوله صلى الله عليه وسلم { ليس من البر الصيام في السفر } مع حكاية هذه الحالة من أي القبيلتين هو ؟ فنزله عليه .

وقوله { عليكم برخصة الله التي رخص لكم } دليل على أنه يستحب التمسك بالرخصة إذا دعت الحاجة إليها . ولا تترك على وجه التشديد على النفس والتنطع والتعمق .

التالي السابق


الخدمات العلمية