إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
195 - الحديث الحادي عشر : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال . قالوا : إنك تواصل . قال : إني لست كهيئتكم ، إني أطعم وأسقى } ورواه أبو هريرة وعائشة وأنس بن مالك .

196 - ولمسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه { فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر } . .


في الحديث دليل على كراهة الوصال . واختلف الناس فيه . ونقل عن بعض المتقدمين فعله . ومن الناس من أجازه إلى السحر ، على حديث أبي سعيد الخدري [ ص: 412 ]

وفي حديث أبي سعيد الخدري : دليل على أن النهي عنه نهي كراهة ، لا نهي تحريم . وقد يقال : إن الوصال المنهي عنه : ما اتصل باليوم الثاني . فلا يتناوله الوصال إلى السحر ، فإن قوله عليه السلام " فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر " يقتضي تسميته وصالا . والنهي عن الوصال يمكن تعليله بالتعريض بصوم اليوم الثاني ، فإن كان واجبا كان بمثابة الحجامة والفصد وسائر ما يتعرض به الصوم للبطلان

وتكون الكراهة شديدة . وإن كان صوم نفل : ففيه التعرض لإبطال ما شرع فيه من العبادة . وإبطالها : إما ممنوع - على مذهب بعض الفقهاء - وإما مكروه . وكيفما كان : فعلة الكراهة موجودة ، إلا أنها تختلف رتبتها . فإن أجزنا الإفطار : كانت رتبة هذه الكراهة أخف من رتبة الكراهة في الصوم الواجب قطعا . وإن منعناه فهل يكون كالكراهة في تعريض الصوم المفروض بأصل الشرع ؟ فيه نظر . فيحتمل أن يقال : يستويان .

لاستوائهما في الوجوب . ويحتمل أن يقال : لا يستويان ; لأن ما ثبت بأصل الشرع ، فالمصالح المتعلقة به أقوى وأرجح ; لأنها انتهضت سببا للوجوب . وأما ما ثبت وجوبه بالنذر - وإن كان مساويا للواجب بأصل الشرع في أصل الوجوب - فلا يساويه في مقدار المصلحة . فإن الوجوب ههنا إنما هو للوفاء بما التزمه العبد لله تعالى . وأن لا يدخل فيمن يقول ما لا يفعل .

وهذا بمفرده لا يقتضي الاستواء في المصالح . ومما يؤيد هذا النظر الثاني ما ثبت في الحديث الصحيح { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر } مع وجوب الوفاء بالنذر . فلو كان مطلق الوجوب مما يقتضي مساواة المنذور بغيره من الواجبات : لكان فعل الطاعة بعد النذر أفضل من فعلها قبل النذر ; لأنه حينئذ يدخل تحت قوله تعالى فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه أنه { ما تقرب المتقربون إلي بمثل أداء ما افترضت عليهم } ويحمل ما تقدم من البحث على أداء ما افترض بأصل الشرع ; لأنه لو حمل على العموم لكان النذر وسيلة إلى تحصيل الأفضل . فكان يجب أن يكون مستحبا ، وهذا على إجراء النهي عن النذر على عمومه .

التالي السابق


الخدمات العلمية