إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
202 - الحديث السادس : عن أبي عبيد مولى ابن أزهر واسمه سعد بن عبيد - قال { : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما : يوم فطركم من صيامكم ، واليوم الآخر : تأكلون فيه من نسككم . }


[ ص: 419 ] مدلوله : المنع من صوم يومي العيد . ويقتضي ذلك عدم صحة صومهما بوجه من الوجوه . وعند الحنفية في الصحة مخالفة في بعض الوجوه . فقالوا : إذا نذر صوم يوم العيد وأيام التشريق : صح نذره . وخرج عن العهدة بصوم ذلك . وطريقهم فيه : أن الصوم له جهة عموم وجهة خصوص . فهو من حيث إنه صوم : يقع الامتثال به . ومن حيث إنه صوم عيد : يتعلق به النهي ، والخروج عن العهدة : يحصل بالجهة الأولى ، أعني كونه صوما . والمختار عند غيرهم : خلاف ذلك . وبطلان النذر ، وعدم صحة الصوم : والذي يدعى من الجهتين بينهما تلازم ههنا . ولا انفكاك . فيتمكن النهي من هذا الصوم . فلا يصح أن يكون قربة . فلا يصح نذره .

بيانه : أن النهي ورد عن صوم يوم العيد . والناذر له معلق لنذره بما تعلق به النهي وهذا بخلاف الصلاة في الدار المغصوبة ، عند من يقول بصحتها . فإنه لم يحصل التلازم بين جهة العموم ، أعني كونها صلاة وبين جهة الخصوص أعني كونها حصولا في مكان مغصوب ، وأعني بعدم التلازم ههنا : عدمه في الشريعة . فإن الشرع وجه الأمر إلى مطلق الصلاة ، والنهي إلى مطلق الغصب . وتلازمهما واجتماعهما إنما هو في فعل المكلف ، لا في الشريعة . فلم يتعلق النهي شرعا بهذا الخصوص ، بخلاف صوم يوم العيد فإن النهي ورد عن خصوصه . فتلازمت جهة العموم وجهة الخصوص في الشريعة . وتعلق النهي بعين ما وقع في النذر . فلا يكون قربة .

وتكلم أهل الأصول في قاعدة تقتضي النظر في هذه المسألة وهو أن النهي عند الأكثرين لا يدل على صحة المنهي عنه ، وقد نقلوا عن محمد بن الحسن : أنه يدل على صحة المنهي عنه ; لأن النهي لا بد فيه من إمكان المنهي عنه : إذ لا يقال للأعمى : لا تبصر ، وللإنسان : لا تطر ، فإذا هذا المنهي عنه - أعني صوم يوم العيد - ممكن ، وإذا أمكن ثبتت الصحة ، وهذا ضعيف ; لأن الصحة إنما تعتمد التصور ، والإمكان العقلي أو العادي ، والنهي يمنع التصور الشرعي ، فلا يتعارضان ، وكان محمد بن الحسن يصرف اللفظ في المنهي عنه إلى المعنى الشرعي . [ ص: 420 ]

وفي الحديث دلالة على أن الخطيب يستحب له أن يذكر في خطبته ما يتعلق بوقته من الأحكام ، كذكر النهي عن صوم يوم العيد في خطبة العيد ، فإن الحاجة تمس إلى مثل ذلك ، وفيه إشعار وتلويح بأن علة الإفطار في يوم الأضحى : الأكل من النسك .

وفيه دليل على جواز الأكل من النسك ، وقد فرق بعض الفقهاء بين الهدي والنسك . وأجاز الأكل إلا من جزاء الصيد ، وفدية الأذى ، ونذر المساكين ، وهدي التطوع إذا عطب قبل محله . وجعل الهدي كجزاء الصيد . وما وجب لنقص في حج أو عمرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية