إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
210 - الحديث الثالث : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : { قلت يا رسول الله ، إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة } - وفي رواية : { يوما - في المسجد الحرام . قال فأوف بنذرك } ولم يذكر بعض الرواة يوما ولا ليلة .


في الحديث فوائد :

أحدها : لزوم النذر للقربة . وقد يستدل بعمومه من يقول بلزوم الوفاء بكل منذور .

وثانيها : يستدل به من يرى صحة النذر من الكافر .

وهو قول - أو وجه - في مذهب الشافعي . والأشهر : أنه لا يصح ; لأن النذر قربة ، والكافر ليس من أهل القرب . ومن يقول بهذا يحتاج إلى أن يؤول الحديث بأنه أمر بأن يأتي باعتكاف يوم شبيه بما نذر ، لئلا يخل بعبادة نوى فعلها .

فأطلق عليه بأنه منذور لشبهه بالمنذور ، وقيامه مقامه في فعل ما نواه من الطاعة . وعلى هذا : إما أن يكون قوله " أوف بنذرك " من مجاز الحذف ، أو من مجاز التشبيه . ظاهر الحديث خلافه . فإن دل دليل أقوى من هذا الظاهر على أنه لا يصح التزام الكافر الاعتكاف : احتيج إلى هذا التأويل ، وإلا فلا . [ ص: 428 ]

وثالثها : استدل به على أن الصوم ليس بشرط ; لأن الليل ليس محلا للصوم ، وقد أمر بالوفاء بنذر الاعتكاف فيه ، وعدم اشتراط الصوم : هو مذهب الشافعي واشتراطه : مذهب مالك وأبي حنيفة .

وقد أول من اشترط الصوم قوله " ليلة " بيوم . فإن الليلة تغلب في لسان العرب على اليوم . حكي عنهم أنهم قالوا : صمنا خمسا . والخمس يطلق على الليالي . فإنه لو أطلق على الأيام لقيل خمسة . وأطلقت الليالي وأريدت الأيام . أو يقال : المراد ليلة بيومها ، ويدل على ذلك : أنه ورد بعض الروايات بلفظ " اليوم " . .

التالي السابق


الخدمات العلمية