إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
211 - الحديث الرابع : عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت { كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا . فأتيته أزوره ليلا . فحدثته ، ثم قمت لأنقلب ، فقام معي ليقلبني - وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد - فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما . إنها صفية بنت حيي . فقالا : سبحان الله يا رسول الله . فقال : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا - أو قال شيئا }

. وفي رواية { أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان . فتحدثت عنده ساعة . ثم قامت تنقلب . فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها ، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة } ثم ذكره بمعناه .


" صفية بنت حيي بن أخطب ، من شعب بني إسرائيل ، من سبط هارون عليه السلام . نضيرية . كانت عند سلام - بتخفيف اللام - ابن مشكم . ثم خلف [ ص: 429 ] عليها كنانة بن أبي الحقيق . فقتل يوم خيبر . وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة سبع من الهجرة . وتوفيت في رمضان في زمن معاوية سنة خمسين من الهجرة .

والحديث يدل على جواز زيارة المرأة المعتكف . وجواز التحدث معه . وفيه تأنيس الزائر بالمشي معه ، لا سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك كالليل وقد تبين بالرواية الثانية أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى معها إلى باب المسجد فقط . وفيه دليل على التحرز مما يقع في الوهم نسبة الإنسان إليه ، مما لا ينبغي . وقد قال بعض العلماء : إنه لو وقع ببالهما شيء لكفرا . ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد تعليم أمته . وهذا متأكد في حق العلماء ، ومن يقتدي بهم ، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلا يوجب ظن السوء بهم ، وإن كان لهم فيه مخلص ; لأن ذلك تسبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم . وقد قالوا : إنه ينبغي للحاكم أن يبين وجه الحكم للمحكوم عليه إذا خفي عليه . وهو من باب نفي التهمة بالنسبة إلى الجور في الحكم .

وفي الحديث دليل : على هجوم خواطر الشيطان على النفس ; وما كان من ذلك غير مقدور على دفعه : لا يؤاخذ به . لقوله تعالى ( ) { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ولقوله عليه السلام في الوسوسة التي يتعاظم الإنسان أن يتكلم بها " ذلك محض الإيمان " وقد فسروه : بأن التعاظم لذلك محض الإيمان . لا الوسوسة . كيفما كان ، ففيه دليل على أن تلك الوسوسة لا يؤاخذ بها . نعم في الفرق بين الوسوسة التي لا يؤاخذ بها ، وبين ما يقع شكا : إشكال ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية