إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
15 - الحديث الخامس : عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري - رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ولا يتنفس في الإناء } .


" أبو قتادة الحارث بن ربعي بن بلدمة - بفتح الباء وسكون اللام وفتح الدال ويقال بلدمة - بالضم فيهما - ويقال : بلذمة - بالذال المعجمة المضمومة - فارس النبي صلى الله عليه وسلم شهد أحدا والخندق ، وما بعد ذلك . مات بالمدينة سنة أربع وخمسين وقيل : بالكوفة سنة ثمان وثلاثين والأصح الأول اتفقوا على الإخراج له ، ثم الكلام عليه من وجوه :

أحدهما : الحديث يقتضي النهي عن مس الذكر باليمين في حالة البول ووردت رواية أخرى في النهي عن مسه باليمين مطلقا ، من غير تقييد بحالة البول فمن الناس من أخذ بهذا العام المطلق وقد يسبق إلى الفهم : أن المطلق يحمل على المقيد ، فيختص النهي بهذه الحالة وفيه بحث ; لأن هذا الذي يقال يتجه في باب الأمر والإثبات فإنا لو جعلنا الحكم للمطلق ، أو العام في صورة الإطلاق ، أو العموم مثلا : كان فيه إخلال باللفظ الدال على المقيد وقد تناوله لفظ الأمر وذلك غير جائز .

وأما في باب النهي : فإنا إذا جعلنا الحكم للمقيد أخللنا بمقتضى اللفظ المطلق ، مع تناول النهي له وذلك غير سائغ [ ص: 106 ] هذا كله بعد مراعاة أمر من صناعة الحديث وهو أن ينظر في الروايتين : هل هما حديث واحد ، أو حديثان ؟ ولك أيضا ، بعد النظر في دلائل المفهوم ، وما يعمل به منه ، وما لا يعمل به وبعد أن تنظر في تقديم المفهوم على ظاهر العموم - أعني رواية الإطلاق والتقييد - فإن كانا حديثا واحدا مخرجه واحد ، اختلف عليه الرواة : فينبغي حمل المطلق على المقيد ; لأنها تكون زيادة من عدل في حديث واحد ، فتقبل وهذا الحديث المذكور راجع إلى رواية يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن قتادة عن أبيه .

الثاني : ظاهر النهي التحريم وعليه حمله الظاهري ، وجمهور الفقهاء على الكراهة الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم { ولا يتمسح من الخلاء بيمينه } يتناول القبل والدبر وقد اختلف أصحاب الشافعي في كيفية التمسح في القبل ، إذا كان الحجر صغيرا ، ولا بد من إمساكه بإحدى اليدين فمنهم من قال : يمسك الحجر باليمنى والذكر باليسرى ، فتكون الحركة لليسرى ، واليمنى قارة ومنهم من قال : يؤخذ الذكر باليمنى والحجر باليسرى وتحرك اليسرى والأول أقرب إلى المحافظة على الحديث

الرابع : قوله صلى الله عليه وسلم " ولا يتنفس في الإناء " يراد به إبانة الإناء عند إرادة التنفس ، لما في التنفس من احتمال خروج شيء مستقذر للغير وفيه إفساد لما في الإناء بالنسبة إلى الغير ، لعيافته له وقد ورد في حديث آخر إبانة الإناء للتنفس ثلاثا وهو ههنا مطلق

التالي السابق


الخدمات العلمية