إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
[ ص: 441 ] 218 - الحديث الأول : عن عبد الله بن معقل قال : { جلست إلى كعب بن عجرة . فسألته عن الفدية ؟ فقال : نزلت في خاصة . وهي لكم عامة . حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي . فقال : ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى - أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى - أتجد شاة ؟ فقلت : لا . فقال : صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع وفي رواية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقا بين ستة ، أو يهدي شاة ، أو يصوم ثلاثة أيام } .


الكلام عليه من وجوه :

أحدها : " معقل " والد عبد الله - هذا - بفتح الميم وإسكان العين المهملة وكسر القاف . وعبد الله - هذا - هو ابن معقل بن مقرن - بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء المشددة المهملة - مزني كوفي ، يكنى أبا الوليد . متفق عليه وقال أحمد بن عبد الله فيه : كوفي تابعي ثقة ، من خيار التابعين . و " عجرة " بضم العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء المهملة . " وكعب " ولده من بني سالم بن عوف . وقيل ، من بلي . وقيل : هو كعب بن عجرة بن أمية بن عدي مات سنة اثنتين وخمسين بالمدينة . وله خمس وسبعون سنة . متفق عليه .

الثاني في الحديث دليل على جواز حلق الرأس لأذى القمل . وقاسوا عليه ما في معناه من الضرر والمرض .

الثالث : قوله " نزلت في " يعني آية الفدية . قوله " خاصة " يريد اختصاص سبب النزول به . فإن اللفظ عام في الآية لقوله تعالى { فمن كان منكم مريضا } وهذه صيغة عموم .

الرابع : قوله عليه السلام " ما كنت أرى " بضم الهمزة ، أي أظن . وقوله عليه السلام " بلغ بك ما أرى " بفتح الهمزة . يعني أشاهد . وهو من رؤية العين . [ ص: 442 ] و " الجهد " بفتح الجيم : هو المشقة . وأما الجهد - بضم الجيم - فهو الطاقة . ولا معنى لها ههنا ، إلا أن تكون الصيغتان بمعنى واحد .

الخامس : قوله " أو أطعم ستة مساكين " تبيين لعدد المساكين الذين تصرف إليهم الصدقة المذكورة في الآية . وليس في الآية ذكر عددهم . وأبعد من قال من المتقدمين : إنه يطعم عشرة مساكين ، لمخالفة الحديث ، وكأنه قاسه على كفارة اليمين .

السادس : قوله " لكل مسكين نصف صاع " بيان لمقدار الإطعام . ونقل عن بعضهم : أن نصف الصاع لكل مسكين : إنما هو في الحنطة . فأما التمر والشعير وغيرهما : فيجب لكل مسكين صاع . وعن أحمد رواية : أن لكل مسكين مد حنطة ، أو نصف صاع من غيرها . وقد ورد في بعض الروايات تعيين نصف الصاع من تمر .

السابع : " الفرق " بفتح الراء ، وقد تسكن . وهو ثلاثة آصع . مفسر من الروايتين أعني هذه الرواية . وهي تقسيم الفرق على ثلاثة آصع . والرواية الأخرى : هو تعيين نصف الصاع من تمر لكل مسكين .

الثامن : قوله " أو تهدي شاة " هو النسك المجمل في الآية . قال أصحاب الشافعي : هي الشاة التي تجزي في الأضحية .

وقوله " أو صم ثلاثة أيام " تعيين الصوم المجمل في الآية . وأبعد من قال من المتقدمين : إن الصوم عشرة أيام ، لمخالفة هذا الحديث ولفظ الآية والحديث معا يقتضي التخيير بين هذه الخصال الثلاث - أعني الصيام والصدقة والنسك - ; لأن كلمة " أو " تقتضي التخيير .

وقوله في الرواية " أتجد شاة ؟ فقلت : لا " فأمره أن يصوم ثلاثة أيام ، ليس المراد به : أن الصوم لا يجزي إلا عند عدم الهدي ، قيل : بل هو محمول على أنه سأل عن النسك ؟ فإن وجده أخبره بأنه يخيره بينه وبين الصيام والإطعام . وإن عدمه فهو مخير بين الصيام والإطعام .

باب حرمة مكة

التالي السابق


الخدمات العلمية