إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
232 - الحديث الثالث : { عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت يا رسول الله ، ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك فقال : إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر } .


فيه دليل على استحباب التلبيد لشعر الرأس عند الإحرام . و " التلبيد " أن يجعل في الشعر ما يسكنه ويمنعه من الانتفاش ، كالصبر أو الصمغ ، وما أشبه ذلك وفيه دليل على أن للتلبيد أثرا في تأخير الإحلال إلى النحر . وفيه : أن من ساق الهدي لم يحل حتى يوم النحر . وهو مأخوذ من قوله تعالى { ولا [ ص: 463 ] تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } .

وقولها " ما شأن الناس حلوا ولم تحل ؟ " هذا الإحلال : هو الذي وقع للصحابة في فسخهم الحج إلى العمرة . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك ، ليحلوا بالتحلل من العمرة . ولم يحل هو صلى الله عليه وسلم ; لأنه كان قد ساق الهدي .

وقولها " من عمرتك " يستدل به على أنه كان صلى الله عليه وسلم قارنا . ويكون المراد من قولها " من عمرتك " أي من عمرتك التي مع حجتك وقيل " من " بمعنى الباء أي لم تحل بعمرتك ، أي العمرة التي تحلل بها الناس وهو ضعيف لوجهين :

أحدهما : كون " من " بمعنى الباء .

والثاني : أن قولها " عمرتك " تقتضي الإضافة فيه تقرر عمرة له تضاف إليه . والعمرة التي يقع بها التحلل لم تكن متقررة ولا موجودة وقيل : يراد بالعمرة الحج بناء على النظر إلى الوضع اللغوي . وهو أن العمرة الزيارة . والزيارة موجودة في الحج ، أي موجودة المعنى فيه . وهو ضعيف أيضا ; لأن الاسم إذا انتقل إلى حقيقة عرفية كانت اللغوية مهجورة في الاستعمال .

التالي السابق


الخدمات العلمية