إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
239 - الحديث الأول : عن عبد الله بن حنين { أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء . فقال ابن عباس : يغسل المحرم رأسه . وقال المسور : لا يغسل رأسه . قال : فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه . فوجدته يغتسل بين القرنين ، وهو يستر بثوب . فسلمت عليه . فقال : من هذا ؟ فقلت : أنا عبد الله بن حنين ، أرسلني إليك ابن عباس ، يسألك : كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ؟ فوضع أبو أيوب يده على الثوب ، فطأطأه ، حتى بدا لي رأسه . ثم قال لإنسان يصب عليه الماء : اصبب ، فصب على رأسه . ثم [ ص: 468 ] حرك رأسه بيديه ، فأقبل بهما وأدبر . ثم قال : هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يغتسل } .

وفي رواية " فقال المسور لابن عباس : لا أماريك أبدا " .


" القرنان " العمودان اللذان تشد فيهما الخشبة التي تعلق عليها البكرة " الأبواء " بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة والمد : موضع معين بين مكة والمدينة .

وفي الحديث دليل على جواز المناظرة في مسائل الاجتهاد ، والاختلاف فيها إذا غلب على ظن المختلفين فيها حكم . وفيه دليل على الرجوع إلى من يظن به أن عنده علما فيما اختلف فيه .

وفيه دليل على قبول خبر الواحد ، وأن العمل به سائغ شائع بين الصحابة ; لأن ابن عباس أرسل عبد الله بن حنين ليستعلم له علم المسألة ، ومن ضرورته : قبول خبره عن أبي أيوب فيما أرسل فيه . و " القرنان " فسرهما المصنف .

وفيه دليل على التستر عند الغسل ، وفيه دليل على جواز الاستعانة في الطهارة . لقول أبي أيوب " اصبب " وقد ورد في الاستعانة أحاديث صحيحة وورد في تركها شيء لا يقابلها في الصحة .

وفيه دليل على جواز السلام على المتطهر في حال طهارته ، بخلاف من هو على الحدث . وفيه دليل على جواز الكلام في أثناء الطهارة .

وفيه دليل على تحريك اليد على الرأس في غسل المحرم إذا لم يؤد إلى نتف الشعر .

وقوله " أرسلني إليك ابن عباس يسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه ؟ " يشعر بأن ابن عباس كان عنده علم بأصل الغسل . فإن السؤال عن كيفية الشيء : إنما يكون بعد العلم بأصله . وفيه دليل على أن غسل البدن كان عنده متقرر الجواز ، إذ لم يسأل عنه ، وإنما سأل عن كيفية غسل الرأس . ويحتمل أن يكون ذلك ; لأنه موضع الإشكال في المسألة . إذ الشعر عليه ، وتحريك اليد فيه [ ص: 469 ] يخاف منه نتف الشعر .

وفيه دليل على جواز غسل المحرم ، وقد أجمع عليه إذا كان جنبا ، أو كانت المرأة حائضا ، فطهرت . وبالجملة الأغسال الواجبة . وأما إذا كان تبردا من غير وجوب ، فقد اختلفوا فيه . فالشافعي يجيزه . وزاد أصحابه ، فقالوا : له أن يغسل رأسه بالسدر والخطمي . ولا فدية عليه . وقال مالك وأبو حنيفة : عليه الفدية . أعني غسل رأسه بالخطمي وما في معناه . فإن استدل بالحديث على هذا المختلف فيه فلا يقوى ; لأن المذكور حكاية حال ، لا عموم لفظ . وحكاية الحال تحتمل أن تكون هي المختلف فيها . وتحتمل أن لا . ومع الاحتمال لا تقوم حجة .

التالي السابق


الخدمات العلمية