إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
247 - الحديث الثامن . عن عائشة رضي الله عنها قالت { حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر . فحاضت صفية . فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله . فقلت : يا رسول الله ، إنها حائض . قال : أحابستنا هي ؟ قالوا : يا رسول الله ، إنها قد أفاضت يوم النحر قال : اخرجوا } . وفي لفظ : قال النبي صلى الله عليه وسلم { عقرى ، حلقى . أطافت يوم النحر ؟ قيل : نعم . قال : فانفري } .


فيه دليل على أمور :

أحدها : أن طواف الإفاضة لا بد منه ، وأن المرأة إذا حاضت لا تنفر حتى تطوف . لقوله صلى الله عليه وسلم " أحابستنا هي ؟ " فقيل : " إنها قد أفاضت - إلى آخره " فإن سياقه يدل على أن عدم طواف الإفاضة موجب للحبس . [ ص: 480 ]

وثانيهما : أن الحائض يسقط عنها طواف الوداع . لا تقعد لأجله . لقوله " فانفري " .

وثالثها : قوله " عقرى " مفتوح العين ، ساكن القاف ، و " حلقى " مفتوح الحاء ، ساكن اللام . والكلام في هاتين اللفظتين من وجوه : منها : ضبطهما . فالمشهور عن المحدثين - حتى لا يكاد يعرف غيره - أن آخر اللفظتين ألف التأنيث المقصورة من غير تنوين . وقال بعضهم " عقرا حلقا " بالتنوين ; لأنه يشعر أن الموضع موضع دعاء . فأجراه مجرى كلام العرب في الدعاء بألفاظ المصادر . فإنها منونة . كقولهم سقيا ورعيا ، وجدعا ، وكيا " ورأي أن " عقرى " بألف التأنيث نعت لا دعاء . والذي ذكره المحدثون صحيح أيضا .

ومنها : ما تقتضيه هاتان اللفظتان . فقيل " عقرى " بمعنى : عقرها الله . وقيل : عقر قومها . وقيل : جعلها عاقرا ، لا تلد . وأما " حلقى " فإما بمعنى حلق شعرها ، أو بمعنى أصابها وجع في حلقها ، أو بمعنى تحلق قومها بشؤمها .

ومنها : أن هذا من الكلام الذي كثر في لسان العرب ، حتى لا يراد به أصل موضوعه . كقولهم : تربت يداك . وما أشعره قاتله الله . وأفلح وأبيه ، إلى غير ذلك من الألفاظ التي لا يقصد أصل موضوعها لكثرة استعمالها .

التالي السابق


الخدمات العلمية