إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
255 - الحديث الأول : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : [ ص: 495 ] { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى . عن المنابذة - وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه ، أو ينظر إليه - ونهى عن الملامسة . والملامسة : لمس الثوب ولا ينظر إليه . }


اتفق الناس على منع هذين . البيعين . واختلفوا في تفسير " الملامسة " فقيل : هي أن يجعل اللمس بيعا ، بأن يقول : إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا وكذا . وهذا باطل للتعليق في الصيغة ، وعدوله عن الصيغة الموضوعة للبيع شرعا وقد قيل : هذا من صور المعاطاة . وقيل : تفسيرها أن يبيعه على أنه إذا لمس الثوب فقد وجب البيع ، وانقطع الخيار . وهو أيضا فاسد بالشرط الفاسد وفسره الشافعي رحمه الله : بأن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة ، فيلمسه الراغب ، ويقول صاحب الثوب : بعتك هذا ، بشرط أن يقوم لمسك مقام النظر . وهذا فاسد إن أبطلنا بيع الغائب . وكذا إن صححناه ، لإقامة اللمس مقام النظر . وقيل يتخرج على نفي شرط الخيار .

وأما لفظ الحديث الذي ذكره المصنف . فإنه يقتضي أن جهة الفساد : عدم النظر والتقليب . وقد يستدل به من يمنع بيع الأعيان الغائبة ، عملا بالعلة . ومن يشترط الوصف في بيع الأعيان الغائبة لا يكون الحديث دليلا عليه ; لأنه ههنا لم يذكر وصفا .

وأما " المنابذة " فقد ذكر في الحديث " أنها طرح الرجل ثوبه لا ينظر إليه " والكلام في هذا التعليل كما تقدم . واعلم أن في كلا الموضعين يحتاج إلى الفرق بين المعاطاة وبين هاتين الصورتين . فإذا علل بعدم الرؤية المشروطة : فالفرق ظاهر . وإذا فسر بأمر لا يعود إلى ذلك : احتيج حينئذ إلى الفرق بينه وبين مسألة المعاطاة عند من يجيزها .

التالي السابق


الخدمات العلمية