إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
265 - الحديث الأول : عن زيد بن ثابت رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية : أن يبيعها بخرصها ولمسلم بخرصها تمرا ، يأكلونها رطبا . }


اختلفوا في تفسير " العرية " المرخص فيها . فعند الشافعي : هو بيع الرطب على رءوس النخل بقدر كيله من التمر خرصا ، فيما دون خمسة أوسق . وعند مالك صورته : أن يعري الرجل - أي يهب - ثمرة نخلة أو نخلات ، ثم يتضرر بمداخلة الموهوب له ، فيشتريها منه بخرصها تمرا . ولا يجوز ذلك لغير رب البستان ، ويشهد لهذا التأويل : أمران :

أحدهما : أن العرية مشهورة بين أهل [ ص: 511 ] المدينة ، متداولة فيما بينهم . وقد نقلها مالك هكذا .

والثاني : قوله " لصاحب العرية " فإنه يشعر باختصاصه بصفة يتميز بها عن غيره . وهي الهبة الواقعة . وأنشدوا في تفسير العرايا بالهبة قال الشاعر :

وليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح

وقوله في الحديث " بخرصها " في هذه الرواية تقيد بغيرها ، وهو بيعها بخرصها تمرا وقد يستدل بإطلاق هذه الرواية لمن يجوز بيع الرطب على النخل بالرطب على النخل خرصا فيهما ، وبالرطب على وجه الأرض كيلا . وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي . والأصح : المنع ; لأن الرخصة وردت للحاجة إلى تحصيل الرطب ، وهذه الحاجة لا توجد في حق صاحب الرطب . وفيه وجه ثالث : أنه إن اختلف النوعان جاز ; لأنه قد يزيد ذلك النوع ، وإلا فلا . ولو باع رطبا على وجه الأرض برطب على وجه الأرض : لم يجز وجها واحدا ; لأن أحد المعاني في الرخصة أن يأكل الرطب على التدريج طريا ، وهذا المقصود لا يحصل فيما على وجه الأرض . وقد يستدل بإطلاق الحديث من لا يرى اختصاص جواز بيع العرايا لمحاويج الناس . وفي مذهب الشافعي وجه : أنه يختص بهم ، لحديث ورد عن زيد بن ثابت فيه " أنه سمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله . صلى الله عليه وسلم ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبا ويأكلونه مع الناس ، وعندهم فضول قوتهم من التمر . فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر " .

التالي السابق


الخدمات العلمية