إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
267 - الحديث الثالث : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع . } ولمسلم { ومن ابتاع عبدا فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع } .


[ ص: 513 ] يقال : أبرت النخلة آبرها . وقد يقال بالتشديد ، و " التأبير " هو التلقيح . وهو أن يشقق أكمة إناث النخل ، ويذر طلع الذكر فيها . ولا يلقح جميع النخيل ، بل يؤبر البعض ويشقق الباقي . بانبثاث ريح الفحول إليه الذي يحصل منه تشقق الطلع . وإذا باع الشجرة بعد التأبير فالثمرة للبائع في صورة الإطلاق . وقيل : إن بعضهم خالف في هذا ، وقال تبقى الثمار للبائع ، أبرت أو لم تؤبر . وأما إذا اشترطاها للبائع أو للمشتري : فالشرط متبع . وقوله { من باع نخلا قد أبرت } حقيقته : اعتبار التأبير في المبيع حقيقة بنفسه . وقد أجرى تأبير البعض مجرى تأبير الجميع إذا كان في بستان واحد ، واتحد النوع ، وباعها صفقة واحدة وجعل ذلك كالنخلة الواحدة . وإن اختلف النوع ففيه وجهان لأصحاب الشافعي . وقيل : إن الأصح أن الكل يبقى للبائع ، كما لو اتحد النوع ، دفعا لضرر اختلاف الأيدي وسوء المشاركة . وقد يؤخذ من الحديث : أنه إذا باع ما لم يؤبر مفردا بالعقد بعد تأبير غيره في البستان : أنه يكون للمشتري ; لأنه ليس في المبيع شيء مؤبر فيقتضي مفهوم الحديث : أنها ليست للبائع . وهذا أصح وجهي الشافعية . كأنه إنما يعتبر عدم التأبير إذا بيع مع المؤبر . فيجعل تبعا . وفي هذه الصورة . ليس ههنا في المبيع شيء مؤبر . فيجعل غيره تبعا . له .

وأدخل من هذه الصورة في الحديث : ما إذا كان التأبير وعدمه في بستانين مختلفين . والأصح ههنا : أن كل واحد منهما ينفرد بحكمه . أما أولا : فلظاهر الحديث . وأما ثانيا : فلأن لاختلاف البقاع تأثيرا في التأبير ; ولأن في البستان الواحد يلزم ضرر اختلاف الأيدي وسوء المشاركة وقوله { من ابتاع عبدا فماله للذي باعه ، إلا أن يشترط المبتاع } يستدل به المالكية على أن العبد يملك ; لإضافة المال إليه باللام . وهي ظاهرة في الملك .

التالي السابق


الخدمات العلمية