إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
283 - الحديث الرابع : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال " جعل - وفي لفظ : { قضى - النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم . فإذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق : فلا شفعة . }


استدل بالحديث على سقوط الشفعة للجار من وجهين :

أحدهما : المفهوم ، فإن قوله جعل الشفعة فيما لم يقسم " يقتضي : أن لا شفعة فيما قسم . وقد ورد في بعض الروايات { إنما الشفعة } وهو أقوى في الدلالة . لا سيما إذا جعلنا " إنما " دالة على الحصر بالوضع ، دون المفهوم .

والوجه الثاني : قوله فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " وهذا اللفظ الثاني : يقتضي ترتيب الحكم على مجموع أمرين : وقوع الحدود ، وصرف الطرق . وقد يقول قائل . ممن يثبت الشفعة للجار : إن المرتب على أمرين لا يلزم ترتبه على أحدهما . وتبقى دلالة المفهوم الأول مطلقة ، وهو قوله " إنما الشفعة فيما لم يقسم " فمن قال بعدم ثبوت الشفعة : تمسك بها ، ومن خالفه : يحتاج إلى إضمار قيد آخر ، يقتضي اشتراط أمر زائد ، وهو صرف الطرق مثلا ، وهذا الحديث يستدل به ، ويجعل مفهومه مخالفة الحكم عند انتفاء الأمرين معا : وقوع الحدود ، وصرف الطرق . وقد يستدل بالحديث على مسألة اختلف فيها ، وهو أن الشفعة هل تثبت فيما لم يقبل القسمة أم لا ؟ فقد يستدل به من يقول : لا تثبت الشفعة فيه ; لأن هذه [ ص: 535 ] الصيغة في النفي تشعر بالقبول ، فيقال للبصير : لم يبصر كذا . ويقال للأكمه : لا يبصر كذا ، وإن استعمل أحد الأمرين في الآخر فذلك للاحتمال . فعلى هذا : يكون في قوله " فيما لم يقسم إشعار بأنه قابل للقسمة . فإذا دخلت " إنما " المعطية للحصر : اقتضت انحصار الشفعة في القابل . وقد ذهب شذاذ من الناس إلى ثبوت الشفعة في المنقولات واستدل بصدر الحديث من يقول بذلك ، إلا أن آخره وسياقه : يشعر بأن المراد به العقار ، وما فيه الحدود وصرف الطرق .

التالي السابق


الخدمات العلمية