إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
22 - الحديث الأول : عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال { كنت رجلا مذاء ، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني ، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله ، فقال : يغسل ذكره ، ويتوضأ وللبخاري اغسل ذكرك وتوضأ ولمسلم توضأ وانضح فرجك }


[ ص: 117 ] " المذي " مفتوح الميم ساكن الذال المعجمة ، مخفف الياء ، هذا هو المشهور فيه ، وقيل : فيه لغة أخرى : وهي كسر الذال وتشديد الياء - هو الماء الذي يخرج من الذكر عند الإنعاظ وقول علي رضي الله عنه " كنت رجلا مذاء " هي صيغة مبالغة ، على زنة فعال ، من المذي ، يقال : مذى يمذي ، وأمذى يمذي ، وفي الحديث فوائد :

أحدها : استعمال الأدب ، ومحاسن العادات في ترك المواجهة بما يستحى منه عرفا " والحياء " تغير وانكسار يعرض للإنسان من تخوف ما يعاتب به ، أو يذم عليه ، كذا قيل في تعريفه ، وقوله " فاستحييت " هي اللغة الفصيحة ، وقد يقال : استحيت ، وثانيها : وجوب الوضوء من المذي ، وأنه ناقض للطهارة الصغرى ، وثالثها : عدم وجوب الغسل منه ، ورابعها : نجاسته ، من حيث إنه أمر بغسل الذكر منه .

وخامسها : اختلفوا ، هل يغسل منه الذكر كله ، أو محل النجاسة فقط ؟ فالجمهور على أنه يقتصر على محل النجاسة ، وعند طائفة من المالكية : أنه يغسل منه الذكر كله ، تمسكا بظاهر قوله " يغسل ذكره " فإن اسم " ' الذكر " حقيقة في العضو كله ، وبنوا على هذا فرعا ، وهو : أنه هل يحتاج إلى نية في غسله ؟ فذكروا قولين ، من حيث إنا إذا أوجبنا غسل جميع الذكر : كان ذلك تعبدا ، والطهارة التعبدية تحتاج إلى نية ، كالوضوء ، وإنما عدل الجمهور عن استعمال الحقيقة في " الذكر " كله ، نظرا منهم إلى المعنى ، فإن الموجب للغسل : إنما هو خروج الخارج ، وذلك يقتضي الاقتصار على محله .

وسادسها : قد يستدل به على أن صاحب سلس المذي يجب عليه الوضوء منه ، من حيث إن عليا رضي الله عنه وصف نفسه بأنه " كان مذاء " وهو الذي يكثر منه المذي ، ومع ذلك أمر بالوضوء ، وهو استدلال ضعيف ; لأن كثرته قد تكون على وجه الصحة ، لغلبة الشهوة ، بحيث يمكن دفعه ، وقد تكون على وجه المرض والاسترسال ، بحيث لا يمكن دفعه ، وليس في الحديث بيان صفة هذا الخارج ، [ ص: 118 ] على أي الوجهين هو . ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية