إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
311 - الحديث العاشر : عن عائشة رضي الله عنها قالت : { جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي . فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا ، حتى تذوقي عسيلته ، ويذوق [ ص: 562 ] عسيلتك ، قالت : وأبو بكر عنده ، وخالد بن سعيد بالباب ينتظر أن يؤذن له ، فنادى أبا بكر : ألا تسمع إلى هذه : ما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم } .


تطليقه إياها بالبتات من حيث اللفظ : يحتمل : أن يكون بإرسال الطلقات الثلاث ، ويحتمل أن يكون بإيقاع آخر طلقة ويحتمل أن يكون بإحدى الكنايات التي تحمل على البينونة ، عند جماعة من الفقهاء ، وليس في اللفظ عموم ، ولا إشعار بأحد هذه المعاني وإنما يؤخذ ذلك من أحاديث أخر ، تبين المراد ومن احتج على شيء من هذه الاحتمالات بالحديث : فلم يصب ; لأنه إنما دل على مطلق البت ، والدال على المطلق لا يدل على أحد قيديه بعينه .

وقولها " فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير " هو بفتح الزاي وكسر الباء ثاني الحروف ، وثالثه ياء آخر الحروف .

وقولها " إنما معه مثل هدبة الثوب " فيه وجهان :

أحدهما : أن تكون شبهته بذلك لصغره ، والثاني : أن تكون شبهته به لاسترخائه ، وعدم انتشاره .

وقوله عليه السلام { لا ، حتى تذوقي عسيلته } يدل على أن الإحلال للزوج الثاني يتوقف على الوطء ، وقد يستدل به من يرى الانتشار في الإحلال شرطا من حيث إنه يرجح حمل قولها " إنما معه مثل هدبة " على الاسترخاء وعدم انتشاره ، لاستبعاد أن يكون الصغر قد بلغ إلى حد لا تغيب منه الحشفة ، أو مقدارها الذي يحصل به التحليل .

وقوله عليه السلام أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ " كأنه بسبب : أنه فهم عنها إرادة فراق عبد الرحمن ، وإرادة أن يكون فراقه سببا للرجوع إلى رفاعة ، وكأنه قيل لها : إن هذا المقصود لا يحصل إلا بالدخول . ولم ينقل فيه خلاف إلا عن سعيد بن المسيب فيما نعلمه واستعمال لفظ " العسيلة " مجاز عن اللذة ، ثم [ ص: 563 ] عن مظنتها ، وهو الإيلاج فهو مجاز على مذهب جمهور الفقهاء الذين يكتفون بتغييب الحشفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية