إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
315 - الحديث الأول : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن [ ص: 566 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم { أعتق صفية ، وجعل عتقها صداقها } .


قوله " وجعل عتقها صداقها " يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون تزوجها بغير صداق ، على سبيل الخصوصية برسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان عتقها قائما مقام الصداق ، إذ لم يكن ثم عوض : سمي صداقا .

والوجه الثاني : قول بعض الفقهاء : أنه أعتقها فتزوجها على قيمتها ، وكانت مجهولة ، وذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعض أصحاب الشافعي معناه : أنه شرط عليها : أن يعتقها ويتزوجها ، فقبلت ، فلزمها الوفاء به وقد اختلف الفقهاء فيمن أعتق أمته على أن يتزوجها ، ويكون عتقها صداقها ، فقال جماعة : لا يلزمها أن تتزوج به ، وممن قاله مالك والشافعي وأبو حنيفة وهو إبطال للشرط . قال الشافعي : فإن أعتقها على هذا الشرط ، فقبلت : عتقت ، ولا يلزمها الوفاء بتزوجه ، بل عليها قيمتها ; لأنه لم يرض بعتقها مجانا ، وصار ذلك كسائر الشروط الباطلة ، أو كسائر ما يلزم من الأعواض لمن لم يرض بالمجان . فإن تزوجته على مهر يتفقان عليه : كان لها ذلك المسمى ، وعليها قيمتها للسيد . فإن تزوجها على قيمتها : فإن كانت القيمة معلومة لها وله : صح الصداق ، ولا يبقى له عليها قيمة ، ولا لها عليه صداق ، وإن كانت مجهولة فالأصح من وجهي الشافعية : أنه لا يصح الصداق ، ويجب مهر المثل . والنكاح صحيح .

ومنهم من صحح الصداق بالقيمة المجهولة على ضرب من الاستحسان ، وأن العقد فيه ضرب من المسامحة والتخفيف ، وذهب جماعة - منهم الثوري والزهري ، وقول عن أحمد وإسحاق - : أنه يجوز أن يعتقها على أن يتزوج بها ويكون عتقها صداقها ، ويلزمها ذلك ، ويصح الصداق على ظاهر لفظ الحديث .

والأولون قد يؤولونه بما تقدم من أنه جعل عتقها قائما مقام الصداق فسماه باسمه ، والظاهر مع الفريق الثاني ، إلا أن القياس مع الأول فيتردد الحال بين ظن نشأ من قياس ، وظن ينشأ من ظاهر الحديث ، مع احتمال الواقعة للخصوصية [ ص: 567 ] وهي وإن كانت على خلاف الأصل - إلا أنه يتأنس في ذلك بكثرة خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم في النكاح لا سيما هذه الخصوصية ; لقوله تعالى { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ، إن أراد النبي أن يستنكحها ، خالصة لك من دون المؤمنين } ولعله يؤخذ من الحديث : استحباب عتق الأمة وتزوجها ، كما جاء مصرحا به في حديث آخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية