إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
320 - الحديث الأول : { عن سبيعة الأسلمية أنها كانت تحت سعد بن خولة - وهو من بني عامر بن لؤي ، وكان ممن شهد بدرا - فتوفي عنها في حجة الوداع ، وهي حامل . فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعلت من نفاسها : تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك - رجل من بني عبد الدار - فقال لها : ما لي أراك متجملة ؟ لعلك ترجين للنكاح ، والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر . قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك : جمعت علي ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ؟ فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي } .


[ ص: 578 ] قال ابن شهاب : ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت ، وإن كانت في دمها ، غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر .

في الحديث : دليل على أن الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل أي وقت كان وهو مذهب فقهاء الأمصار . وقال بعضهم من المتقدمين : إن عدتها أقصى الأجلين فإن تقدم وضع الحمل على تمام أربعة أشهر وعشر : انتظرت تمامها . وإن تقدمت الأربعة الأشهر والعشر على وضع الحمل : انتظرت وضع الحمل . وقيل : إن بعض المتأخرين من المالكية : اختار هذا المذهب ، وهو سحنون .

وسبب الخلاف : تعارض عموم قوله تعالى { والذين يتوفون منكم } مع قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } فإن كل واحدة من الآيتين عام من وجه ، وخاص من وجه . فالآية الأولى : عامة في المتوفى عنهن أزواجهن ، سواء كن حوامل أم لا .

والثانية : عامة في أولات الأحمال ، سواء كن متوفى عنهن أم لا . ولعل هذا التعارض هو السبب لاختيار من اختار أقصى الأجلين لعدم ترجيح أحدهما على الآخر وذلك يوجب أن لا يرفع تحريم العدة السابق إلا بيقين الحل وذلك بأقصى الأجلين . غير أن فقهاء الأمصار اعتمدوا على هذا الحديث في أنه تخصيص لعموم قوله تعالى { والذين يتوفون منكم } مع ظهور المعنى في حصول البراءة بوضع الحمل " .

وأبو السنابل بن بعكك " بفتح السين و " بعكك " بفتح الباء وسكون العين ، وفتح الكاف - وهو ابن الحجاج بن الحارث بن السباق بن عبد الدار ، هكذا نسب . وقيل في نسبه غير ذلك قيل : اسمه عمرو . وقيل : حبة - بالباء - وقيل : حنة - بالنون .

وقولها " فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي " يقتضي انقضاء العدة بوضع الحمل ، وإن لم تطهر من النفاس . كما صرح به الزهري فيما بعد ذلك . وهو مذهب فقهاء الأمصار .

وقال بعض المتقدمين : لا تحل من العدة حتى تطهر من النفاس . ولعل [ ص: 579 ] بعضهم أشار إلى تعلق في هذا بقوله " فلما تعلت من نفاسها " أي طهرت " قال لها : قد حللت فانكحي من شئت " رتب الحل على التعلي فيكون علة له وهذا ضعيف لتصريح هذه الرواية بأنه أفتاها بالحل بوضع الحمل . وهو أصرح من ذلك الترتيب المذكور . يعني ترتيب الحل على التعلي .

وربما استدل بهذا الحديث بعضهم على أن العدة تنقضي بوضع الحمل على أي وجه كان - مضغة أو علقة ، استبان فيه الخلق أم لا - من حيث إنه رتب الحل على وضع الحمل من غير استفصال . وترك الاستفصال في قضايا الأحوال ينزل منزلة العموم في المقال وهذا ههنا ضعيف ; لأن الغالب هو الحمل التام المتخلق ، ووضع المضغة والعلقة نادر . وحمل الجواب على الغالب ظاهر . وإنما تقوى تلك القاعدة حيث لا يترجح بعض الاحتمالات على بعض ويختلف الحكم باختلافها . وقول ابن شهاب : قد قدمنا أنه قول فقهاء الأمصار . والمنقول عنه خلاف ذلك : وهو الشعبي والنخعي وحماد .

التالي السابق


الخدمات العلمية