إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
321 - الحديث الثاني عن زينب بنت أم سلمة قالت { توفي حميم لأم حبيبة ، فدعت بصفرة ، فمسحت بذراعيها ، فقالت : إنما أصنع هذا ; لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج : أربعة أشهر وعشرا } .


الحميم : القرابة .

" الإحداد " ترك الطيب والزينة . وهو الواجب على المتوفى عنها زوجها ولا خلاف فيه في الجملة ، وإن اختلفوا في التفصيل .

وقوله " إلا على زوج " يقتضي الإحداد على كل زوج ، سواء كان بعد الدخول أو قبله [ ص: 580 ] وقوله " لامرأة " عام في النساء . تدخل فيه الصغيرة والكبيرة والأمة . وفي دخول الصغيرة تحت هذا اللفظ نظر . فإن وجب من غير دخوله تحت اللفظ فبدليل آخر وأما الكتابية : فلا تدخل تحت اللفظ لقوله عليه الصلاة والسلام " لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر " فمن ههنا خالف بعضهم في وجوب الإحداد على الكتابية وأجاب غيره - ممن أوجب عليها الإحداد - : بأن هذا التخصيص له سبب . والتخصيص إذا كان لفائدة أو سبب - غير اختلاف الحكم - لم يدل على اختلاف الحكم . قال بعض المتأخرين ، في السبب في ذلك : إن المسلمة هي التي تستثمر خطاب الشارع ، وتنتفع به ، وتنقاد له فلهذا قيد به . وغير هذا أقوى منه . وهو أن يكون ذكر هذا الوصف لتأكيد التحريم ، لما يقتضيه سياقه ومفهومه ، من أن خلافه مناف للإيمان بالله واليوم الآخر . كما قال تعالى { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } فإنه يقتضي تأكيد أمر التوكل بربطه بالإيمان ، وكما يقال : إن كنت ولدي فافعل كذا .

وأصل لفظة " الإحداد " من معنى المنع ويقال : حدت تحد إحدادا وحدت تحد - بفتح الحاء في الماضي من غير همز - وعن الأصبعي : أنه لم يجز إلا " أحدت " رباعيا ، والله أعلم .

وقد يؤخذ من هذا الحديث : أنه لا إحداد على الأمة المستولدة ، لتعليق الحكم بالزوجية ، وتخصيص منع الإحداد بمن توفي عنها زوجها . واقتضى مفهومه : أن لا إحداد إلا لمن توفي عنها زوجها ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية