إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
323 - الحديث الرابع : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت { جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابنتي توفي عنها زوجها ، وقد اشتكت عينها أفنكحلها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا - مرتين ، أو ثلاثا - ثم قال : إنما هي أربعة أشهر وعشر . وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول . فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها : دخلت حفشا ، ولبست شر ثيابها ، ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ، ثم تؤتى بدابة - حمار أو طير أو شاة - فتفتض به . فقلما تفتض بشيء إلا مات . ثم تخرج فتعطى بعرة ، فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره } .


[ ص: 582 ] " الحفش " البيت الصغير الحقير ، و " تفتض " تدلك به جسدها .

يجوز في قولها " اشتكت عينها " وجهان :

أحدهما : ضم النون على الفاعلية ، على أن تكون العين هي المشتكية .

والثاني : فتحها ويكون المشتكي من " اشتكت " ضمير الفاعل وهي المرأة . وقد رجح هذا . ووقع في بعض الروايات " عيناها " .

وقولها " أفنكحلها " بضم الحاء . وقوله عليه السلام " لا " يقتضي المنع من الكحل للحادة ، وإطلاقه يقتضي : أن لا فرق بين حالة الحادة وغيرها ، إلا أنهم استثنوا حالة الحادة . وقد جاء في حديث آخر " تجعله بالليل وتمسحه بالنهار " فحمل على حالة الحادة . وقيل : في قوله عليه السلام " لا " وجهان :

أحدهما : أنه نهي تنزيه .

والثاني : أنه مؤول على أنه لم يتحقق الخوف على عينها .

وقوله عليه السلام " إنما هي أربعة أشهر وعشر " تقليل للمدة ، وتهوين للصبر على ما منعت منه .

وقوله عليه السلام " وقد كانت إحداكن ترمي بالبعرة عند رأس الحول " قد فسر في الحديث . واختلفوا في وجه الإشارة ، فقيل : إنها رمت بالعدة وخرجت منها ، كانفصالها من هذه البعرة ورميها بها . وقيل : هو إشارة إلى أن الذي فعلته وصبرت عليه ، من الاعتداد سنة ، ولبسها شر ثيابها ، ولزومها بيتا صغيرا : هين بالنسبة إلى حق الزوج ، وما يستحقه من المراعاة ، كما يهون الرمي بالبعرة .

وقولها " دخلت حفشا " بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء وبالشين المعجمة : أي بيتا صغيرا حقيرا قريب السمك .

وقولها " ثم تؤتى بدابة : حمار ، أو طير أو شاة " هو بدل من " دابة " وقولها [ ص: 583 ] فتفتض به " بفتح ثالث الحروف وسكون الفاء ، وآخره ضاد معجمة . قال ابن قتيبة : سألت الحجازيين عن معنى الافتضاض ؟ فذكروا : أن المعتدة كانت لا تغتسل ، ولا تمس ماء ، ولا تقلم ظفرا . ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض ، أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر ، تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش ما تفتض به . وقال مالك : معناه تمسح به جلدها وقال ابن وهب : تمسح بيدها عليه أو على ظهره وقيل : معناه تمسح به ثم تفتض ، أي تغتسل و " الافتضاض " الاغتسال بالماء العذب للإنقاء ، وإزالة الوسخ ، حتى تصير بيضاء نقية ، كالفضة في نقائها وبياضها . وقال الأخفش : معناه تتنظف وتتنقى من الدرن ، تشبيها لها بالفضة في نقائها وبياضها . وقيل : إن الشافعي روى هذه اللفظة بالقاف والصاد المهملة والباء ثاني الحروف والمعروف : هو الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية