إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
342 - الحديث الرابع : عن أنس بن مالك رضي الله عنه { أن جارية وجد رأسها مرضوضا بين حجرين ، فقيل من فعل هذا بك : فلان ، فلان ؟ حتى ذكر يهودي ، فأومأت برأسها ، فأخذ اليهودي فاعترف ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين } .

343 - ولمسلم والنسائي عن أنس { أن يهوديا قتل جارية على أوضاح ، فأقاده رسول الله صلى الله عليه وسلم } .


الحديث : دليل على مسألتين من مشاهير مسائل الخلاف : الأولى : أن القتل بالمثقل موجب للقصاص وهو ظاهر من الحديث ، وقوي في المعنى أيضا ، فإن صيانة الدماء من الإهدار : أمر ضروري والقتل بالمثقل كالقتل بالمحدد في إزهاق الأرواح فلو لم يجب القصاص بالقتل بالمثقل لأدى [ ص: 610 ] ذلك إلى أن يتخذ ذريعة إلى إهدار القصاص ، وهو خلاف المقصود من حفظ الدماء وعذر الحنفية عن هذا الحديث ضعيف ، وهو أنهم قالوا : هو بطريق السياسة . وادعى صاحب المطول : أن ذلك اليهودي ساع في الأرض بالفساد ، وكان من عادته قتل الصغار بذلك الطريق . قال : أو نقول : يحتمل أن يكون جرحها برضخ ، وبه نقول ، يعني على إحدى الروايتين عن أبي حنيفة ، والأصح عندهم : أنه يجب به .

المسألة الثانية : اعتبار المماثلة في طريق القتل هو مذهب الشافعي ومالك ، وإن اختار الولي العدول إلى السيف فله ذلك ، وأبو حنيفة يخالف في هذه المسألة فلا قود عنده إلا بالسيف ، والحديث دليل لمالك والشافعي ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رض رأس اليهودي بين حجرين ، كما فعل هو بالمرأة . ويستثنى من هذا : ما إذا كان الطريق الذي حصل به القتل محرما ، كالسحر ، فإنه لا يمكن فعله . واختلف أصحاب الشافعي فيما إذا قتل باللواط أو بإيجار الخمر : فمنهم من قال : سقط اعتبار المماثلة للتحريم ، كما قلنا في السحر ، ومنهم من قال : تدس فيه خشبة ، ويوجر خلا بدل الخمر . وأما قولنا : إن للولي أن ينتقل إلى السيف إذا اختار : فقد استثنى بعضهم منه : ما إذا قتله بالخنق ، قال : لا يعدل إلى السيف ، وادعى أنه عدول إلى أشد فإن الخنق يغيب الحس ، فيكون أسهل .

و " الأوضاح " حلي من الفضة يتحلى بها ، سميت بها لبياضها ، واحدها " وضح " . وفي قوله في هذه الرواية " فأقاده " ما يقتضي بطلان ما حكيناه من عذر الحنفي .

التالي السابق


الخدمات العلمية