إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
344 - الحديث الخامس : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال [ ص: 611 ] { لما فتح الله - تعالى - على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قتلت هذيل رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله عز وجل قد حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها ساعتي هذه : حرام ، لا يعضد شجرها ، ولا يختلى خلاها ، ولا يعضد شوكها ، ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد . ومن قتل له قتيل : فهو بخير النظرين : إما أن يقتل ، وإما أن يدي ، فقام رجل من أهل اليمن - يقال له : أبو شاه فقال : يا رسول الله ، اكتبوا لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتبوا لأبي شاه ، ثم قام العباس فقال : يا رسول الله ، إلا الإذخر ، فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر } .


فيه مسائل ، سوى ما تقدم في باب الحج . الأولى : قوله عليه السلام " إن الله حبس عن مكة الفيل " هذه الرواية الصحيحة في الحديث . و " الفيل " بالفاء والياء آخر الحروف ، وشذ بعض الرواة فقال " الفيل ، أو القتل " والصحيح : الأول . وحبسه : حبس أهله الذين جاءوا للقتال في الحرم .

الثانية : قوله عليه السلام " وسلط عليها رسوله والمؤمنين " يستدل به من رأى أن فتح مكة كان عنوة . فإن التسليط الذي وقع للرسول : مقابل للحبس الذي وقع للفيل وهو الحبس عن القتال وقد مر ما يتعلق بالقتال بمكة .

الثالثة : التحريم المشار إليه يجمعه إثبات حرمات ، تتضمن تعظيم المكان . منها : تحريم القتل ، وتحريم القتل : هو ما ذكر في الحديث .

الرابعة : اختلف الفقهاء في موجب القتل العمد على قولين : أحدهما : أن [ ص: 612 ] الموجب هو القصاص عينا . والثاني : أن الموجب أحد الأمرين : إما القصاص أو الدية ، والقولان للشافعي

. ومن فوائد هذا الخلاف : أن من قال : الموجب هو القصاص قال : ليس للولي حق أخذ الدية بغير رضى القاتل . وقيل على هذا القول : للولي حق إسقاط القصاص ، وأخذ الدية بغير رضى القاتل ، وثمرة هذا القول على هذا تظهر في عفو الولي ، وموت القاتل ، فعلى قول التخيير : يأخذ المال في الموت لا في العفو ، وعلى قول التعيين يأخذ المال بالعفو عن الدية ، لا في الموت . ويستدل بهذا الحديث على أن الواجب أحد الأمرين وهو ظاهر الدلالة . ومن يخالف قال في معناه وتأويله : إن شاء أخذ الدية برضى القاتل ، إلا أنه لم يذكر الرضى ، لثبوته عادة وقيل : إنه كقوله عليه السلام فيما ذكر " خذ سلمك ، أو رأس مالك " يعني : رأس مالك برضى المسلم إليه ، لثبوته عادة ; لأن السلم بأبخس الأثمان . فالظاهر : أنه يرضى بأخذ رأس المال ، وهذا الحديث المستشهد به : يحتاج إلى إثباته .

الخامسة : كان قد وقع اختلاف في الصدر الأول في كتابة غير القرآن وورد فيه نهي ثم استقر الأمر بين الناس على الكتابة ، لتقييد العلم بها ، وهذا الحديث يدل على ذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في الكتابة لأبي شاه والذي أراد أبو شاه كتابته : هو خطبة النبي صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية