إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
348 - الحديث التاسع : عن الحسن بن أبي الحسن البصري - رحمه الله تعالى - قال : حدثنا جندب في هذا المسجد ، وما نسينا منه حديثا ، وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع ، فأخذ سكينا فحز بها يده ، فما رقأ الدم حتى مات . قال الله عز وجل : عبدي بادرني بنفسه ، حرمت عليه الجنة } .


[ ص: 618 ] " الحسن بن أبي الحسن : يكنى أبا سعيد من أكابر التابعين وسادات المسلمين ومن مشاهير العلماء والزهاد المذكورين وفضائله كثيرة " جندب " بضم الدال وفتحها : ابن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي - بفتح العين واللام - والعلق : بطن من بجيلة ، ومنهم من ينسبه إلى جده فيقول : جندب بن سفيان كنيته : أبو عبد الله كان بالكوفة ، ثم صار إلى البصرة ، " وحز يده " قطعها ، أو بعضها ، " ورقأ الدم " بفتح الراء والقاف والهمز : ارتفع وانقطع ، وفي الحديث إشكالان :

أحدهما : قوله " بادرني عبدي بنفسه " وهي مسألة تتعلق بالآجال وأجل كل شيء : وقته يقال : بلغ أجله ، أي تم أمده ، وجاء حينه ، وليس كل وقت أجلا ، ولا يموت أحد بأي سبب كان إلا بأجله وقد علم الله بأنه يموت بالسبب المذكور ، وما علمه فلا يتغير فعلى هذا : يبقى قوله " بادرني عبدي بنفسه " يحتاج إلى التأويل فإنه قد يوهم : أن الأجل كان متأخرا عن ذلك الوقت فقدم عليه .

الثاني قوله " حرمت عليه الجنة " فيتعلق به من يرى بوعيد الأبد وهو مؤول عند غيرهم على تحريم الجنة بحالة مخصوصة ، كالتخصيص بزمن ، كما يقال : إنه لا يدخلها مع السابقين ، أو يحملونه على فعل ذلك مستحللا فيكفر به ، ويكون مخلدا بكفره ، لا بقتله نفسه . والحديث : أصل كبير في تعظيم قتل النفس ، سواء كانت نفس الإنسان أو غيره ; لأن نفسه ليست ملكه أيضا ، فيتصرف فيها على حسب ما يراه .

التالي السابق


الخدمات العلمية