إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
[ ص: 637 ] كتاب الأيمان والنذور

360 - الحديث الأول : عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا عبد الرحمن بن سمرة ، لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها ، فكفر عن يمينك ، وأت الذي هو خير . }


فيه مسائل : الأولى : ظاهره يقتضي كراهية سؤال الإمارة مطلقا ، والفقهاء تصرفوا فيه بالقواعد الكلية ، فمن كان متعينا للولاية وجب عليه قبولها إن عرضت عليه ، وطلبها إن لم تعرض ; لأنه فرض كفاية ، لا يتأدى إلا به فيتعين عليه القيام به ، وكذا إذا لم يتعين ، وكان أفضل من غيره ، ومنعنا ولاية الفضول مع وجود الفاضل . وإن كان غيره أفضل منه ، ولم نمنع تولية المفضول مع وجود الفاضل فههنا يكره له أن يدخل في الولاية ، وأن يسألها ، وحرم بعضهم الطلب وكره للإمام أن يوليه ، وقال : إن ولاه انعقدت ولايته ، وقد استخطئ فيما قال . ومن الفقهاء من أطلق القول بكراهية القضاء ، لأحاديث وردت فيه .

المسألة الثانية : لما كان خطر الولاية عظيما ، بسبب أمور في الوالي ، وبسبب أمور خارجة عنه كان طلبها تكلفا ، ودخولا في غرر عظيم ، فهو جدير [ ص: 638 ] بعدم العون ، ولما كانت إذا أتت من غير مسألة لم يكن فيها هذا التكلف كانت جديرة بالعون على أعبائها وأثقالها ، وفي الحديث إشارة إلى ألطاف الله تعالى بالعبد بالإعانة على إصابة الصواب في فعله وقوله ، تفضلا زائدا على مجرد التكليف والهداية إلى النجدين ، هي مسألة أصولية ، كثر فيها الكلام في فنها ، والذي يحتاج إليه في الحديث ما أشرنا إليه الآن .

المسألة الثالثة : للحديث تعلق بالتكفير قبل الحنث ، ومن يقول بجوازه قد يتعلق بالبداءة بقوله عليه السلام { فكفر عن يمينك ، وأت الذي هو خير } وهذا ضعيف ; لأن الواو لا تقتضي الترتيب ، والمعطوف والمعطوف عليه بها كالجملة الواحدة . وليس بجيد طريقة من يقول في مثل هذا إن الفاء تقضي الترتيب والتعقيب ، فيقتضي ذلك أن يكون التكفير مستعقبا لرؤية الخير في الحنث ، فإذا استعقبه التكفير تأخر الحنث ضرورة ، وإنما قلنا " إنه ليس بجيد " لما بيناه من حكم الواو فلا فرق بين قولنا " فكفر ، وأت الذي هو خير " وبين قولنا " فافعل هذين " ، ولو قال كذلك لم يقتض ترتيبا ولا تقديما ، فكذلك إذا أتى بالواو . وهذه الطريقة التي أشرنا إليها ذكرها بعض الفقهاء في اشتراط الترتيب في الوضوء ، وقال : إن الآية تقتضي تقديم غسل الوجه ، بسبب الفاء ، وإذا وجب تقديم غسل الوجه وجب الترتيب في بقية الأعضاء اتفاقا ، وهو ضعيف لما بيناه .

المسألة الرابعة : يقتضي الحديث تأخير مصلحة الوفاء بمقتضى اليمين إذا كان غيره خيرا ، بنصه . وأما مفهومه : فقد يشير بأن الوفاء بمقتضى اليمين عند عدم رؤية الخير في غيرها مطلوب ، وقد تنازع المفسرون في معنى قوله تعالى : ( ) { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا } وحمله بعضهم على ما دل عليه الحديث ، ويكون معنى " عرضة " أي مانعا ، و " أن تبروا " بتقدير : ما أن تبروا .

التالي السابق


الخدمات العلمية