إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
366 - الحديث السادس : عن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال { كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شاهداك ، أو يمينه قلت : إذا يحلف ولا يبالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم ، هو فيها فاجر ، لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان . }


هذا الحديث : فيه دلالة على الوعيد المذكور كالأول وفيه شيء آخر يتعلق بمسألة اختلف فيها الفقهاء ، وهو ما إذا ادعى على غريمه شيئا ، فأنكره وأحلفه ثم أراد إقامة البينة عليه بعد الإحلاف فله ذلك عند الشافعية . وعند المالكية : ليس له ذلك ، إلا أن يأتي بعذر في ترك إقامة البينة يتوجه له . وربما يتمسكون بقوله [ ص: 644 ] عليه السلام { شاهداك ، أو يمينه } وفي حديث آخر { ليس لك إلا ذلك } . ووجه الدليل منه : أن " أو " تقتضي أحد الشيئين ، فلو أجزنا إقامة البينة بعد التحليف : لكان له الأمران معا - أعني اليمين ، وإقامة البينة - مع أن الحديث يقتضي : أن ليس له إلا أحدهما .

وقد يقال في هذا : إن المقصود من الكلام نفي طريق أخرى لإثبات الحق ، فيعود المعنى إلى حصر الحجة في هذين الجنسين - أعني البينة واليمين - إلا أن هذا قليل النفع بالنسبة إلى المناظرة . وفهم مقاصد الكلام نافع بالنسبة إلى النظر . وللأصوليين في أصل هذا الكلام بحث ، ولم ينبه على هذا حق التنبيه - أعني اعتبار مقاصد الكلام - وبسط القول فيه إلا أحد مشايخ بعض مشايخنا من أهل المغرب ، وقد ذكره قبله بعض المتوسطين من الأصوليين المالكيين في كتابه في الأصول . وهو عندي قاعدة صحيحة ، نافعة للناظر في نفسه ، غير أن المناظر الجدلي : قد ينازع في المفهوم ويعسر تقريره عليه . وقد استدل الحنفية بقوله عليه السلام { شاهداك أو يمينه } على ترك العمل بالشاهد واليمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية